وظلّ الأمر كذلك إلى أن تمكّن أحد كبار الأمراء من الوثوب إلى الحكم والإطاحة ببقيّة بيت قلاوون هو برقوق الذي أسّس أسرة حاكمة جديدة سنة ٧٨٤ هـ/ ١٣٨٢ م عرفت ب «المماليك الشّراكسة» أو «البرجيّة»(١). ولم يكن من الممكن لهذا التغيير أن يمنع حدوث التّدهور الذي عرفته مصر في نهاية القرن الثامن ومطلع القرن التاسع الهجري الذي كان من الصّعب تداركه.
***
وإذا كان كلّ مؤلّفي الخطط السّابق ذكرهم خصّصوا مؤلّفاتهم للحديث عن خطط الفسطاط، فإنّ أوّل مؤلّف يضع كتابا في وصف خطط القاهرة كان القاضي محيي الدين أبو الفضل عبد اللّه بن رشيد الدين عبد الظّاهر بن نشوان السّعدي المصري المعروف بابن عبد الظّاهر المتوفى سنة ٦٩٢ هـ/ ١٢٩٣ م (٢) والذي تعدّ مؤلّفاته المصادر الأساسية لفترة حكم الظّاهر بيبرس والمنصور قلاوون والأشرف خليل، فقد عاصر هؤلاء السّلاطين وكان كاتب السّرّ عندهم (٣). وقد ألّف ابن عبد الظّاهر في تاريخ خطط القاهرة كتابه «الرّوضة البهيّة الزّاهرة في خطط المعزّيّة القاهرة» قال المقريزي: «فتح فيه بابا كانت الحاجة داعية إليه»(٤). وسأفصّل الحديث عن هذا الكتاب عندما أتناول دراسة مصادر المقريزي في المجلّد الثّاني.
وفي الوقت نفسه كان هناك من لا يزال يصف خطط الفسطاط يقول المقريزي أيضا:
«وآخر ما رأيت من الكتب التي صنّفت في خطط مصر كتاب «إيقاظ المتغفّل واتّعاظ المتأمّل» تأليف القاضي الرّئيس تاج الدين محمد بن عبد الوهّاب بن المتوّج الزّبيري - رحمه
(١) المقريزي: السلوك ٤٧٦: ٣ - ٤٨٠؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ٢٨٥: ٣ - ٣٤٢؛ Wiet، G.، El ٢?.، art. Barku? kI، pp. ١٠٨٢ - ١٠٨٣. (٢) راجع في ترجمته، الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٥٧: ١٧ - ٢٩٠؛ المقريزي: المقفى الكبير ٥٧٩: ٤ - ٥٨١؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٨: ٨ - ٣٩، Casanova، P.، «L'historien Ibn c? abd-Adh- Dhahir»، MMAFC VI (١٨٩٢)، pp. ٤٩٣ - ٥٠٥; pedersen، J.، El?.، art.Ibn Abd al-za? hir III، pp. ٧٠١ - ٧٠٢. (٣) يعد ابن عبد الظاهر أول من لقب في الدولة المماليكية بكاتب السر وذلك في سنة ٦٧٨ هـ. (ابن إياس: بدائع الزهور ٣٤٨: ١/ ١). (٤) المقريزي: المواعظ والاعتبار فيما يلي ١٠.