الخليج في مواجهة الحدّ الشّمالي لجزيرة الرّوضة ويسير موازيا للخليج حتى يلتقي به شمال جامع الظّاهر بيبرس، أدّى ذلك إلى حكر العديد من الأراضي الواقعة بين الخليجين وبين الخليج النّاصري والنّيل ومنحها إلى الأمراء الذين أقاموا عليها بعض المباني (١) التي صارت نواة لعمران هذه المنطقة الذي اكتمل في العصر العثماني.
يقول المقريزي إنّ العمارة تزايدت في أيّام النّاصر محمد بن قلاوون بالقاهرة وضواحيها إلى أن كادت تضيق عن أهلها حتى حلّ بهما وباء سنة تسع وأربعين وسبع مائة المعروف ب «الوباء الأسود» وب «الفناء الكبير» والذي اجتاح أيضا شعوب حوض البحر المتوسّط واستمرّ لمدّة خمس عشرة سنة. وقد أدّى هذا الوباء إلى حدوث انخفاض شديد في عدد سكّان مصر، كذلك فقد حدث انخفاض آخر في عدد سكّان مصر في أعقاب الوباء الذي صاحب غلاء سنة ٧٧٦ هـ/ ١٣٧٤ م ودام نحو سنتين (٢).
وفي النّصف الثاني من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي ظهرت العديد من المشاكل السّياسية الجسيمة التي ساعدت على تفاقم الوضع. حقيقة أنّ وراثة الحكم ظلّت لفترة طويلة في أولاد النّاصر محمد بن قلاوون حيث تولّى منهم اثنا عشر ابنا وحفيدا بين سنتي ٧٤١ هـ/ ١٣٤١ م و ٧٨٤ هـ/ ١٣٨٢ م، كان بينهم، وقت تولّيهم السّلطنة، أطفال ومراهقون ممّا أدّى إلى ازدياد نفوذ كبار الأمراء باستثناء الفترة التي حكم فيها النّاصر حسن والأشرف شعبان. وفي الوقت نفسه فقد كان هؤلاء الأمراء أمثال: شيخو وصرغتمش وطاز ويلبغا من كبار المشيّدين.
ورغم الكوارث التي عبرتها مصر ابتداء من عام ٧٤٩ م/ ١٣٤٨ م فقد تمكّن السّلطان النّاصر حسن في الفترة التي تولّى فيها تحت وصاية كبار الأمراء الذين عزلوه لمدّة ثلاث سنوات ثم أعادوه مرّة ثانية، من بناء جامعه تحت القلعة بين سنتي ٧٥٧ هـ/ ١٣٥٦ م و ٧٦١ هـ/ ١٣٦٠ م وهو من أعظم المباني في ديار الإسلام يقول المقريزي:«لا يعرف في بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحكي هذا الجامع وأقامت العمارة فيه مدّة ثلاث سنين لا تبطل يوما واحدا وأرصد لمصروفها في كلّ يوم عشرون ألف درهم عنها نحو ألف مثقال ذهبا»(٣).