للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أقيم القبق، ودخل النّاس لرمي النّشّاب، وجعل لمن أصاب من المفاردة رجال الحلقة والبحرية الصّالحيّة وغيرهم بغلطاقا بسنجاب، وللأمراء فرسا من خيله الخاصّ بتشاهيره ومراواته الفضّيّة والذّهبيّة وبراجمه (a).

وما زال هذه الأيّام على هذه الصّورة يتنوّع في دخوله وخروجه: تارة بالرّماح، وتارة بالنّشّاب، وتارة بالدّبابيس، وتارة بالسّيوف مسلولة. وذلك أنّه ساق على عادته في اللّعب، وسلّ سيفه، وسلّ مماليكه سيوفهم، وحمل هو ومماليكه حملة رجل واحد، فرأى النّاس منظرا عجيبا. وأقام على ذلك كلّ يوم من بكرة النّهار إلى قريب المغرب، وقد ضربت الخيام للنّزول للوضوء والصّلاة، وتنوّع النّاس في تبديل العدد والآلات وتفاخروا وتكاثروا. فكانت هذه الأيّام من الأيّام المشهودة.

ولم يبق أحد من أبناء الملوك، ولا وزير، ولا أمير كبير ولا صغير، ولا مفردي، ولا مقدّم من مقدّمي الحلقة، ومقدّمي البحرية الصّالحيّة، ومقدّمي/ المماليك الظّاهرية البحرية، ولا صاحب شغل، ولا حامل عصا في خدمة السّلطان على بابه، ولا حامل طير في ركاب السّلطان، ولا أحد من خواصّ كتّاب السّلطان، إلاّ وشرّفه (b) بما يليق به على قدر منصبه. ثم تعدّى إحسان السّلطان لقضاة الإسلام والأئمّة وشهود خزانة السّلطان، فشرّفهم جميعهم، ثم الولاة كلّهم (١).

وأصبحوا بكرة يوم الأحد، ثامن عشر شهر رمضان، لابسين الخلع، جميعهم في أحسن صورة وأبهج زيّ وأبهى شكل وأجمل زينة، بالكلّوتات الزّركش بالذّهب والملابس التي ما سمع بأنّ أحدا جاد بمثلها، وهي ألوف. وخدم النّاس جميعهم، وقبّلوا الأرض وعليهم الخلع، وركبوا ولعبوا نهارهم على العادة، والأموال تفرّق والأسمطة تعبّأ والصّدقات تنفق والرّقاب تعتق.

وما زال إلى أن أهلّ هلال شوّال، فقام النّاس وطلعوا للهناء، فجلس لهم وعليهم خلعه. ثم ركب يوم العيد إلى مصلاّه في خيمة بشعار السّلطنة وأبّهة الملك، فصلّى. ثم طلع قلعة الجبل، وجلس على الأسمطة - وكان الاحتفال بها كبيرا - وأكل النّاس، ثم انتهبه الفقراء. وقام إلى مقرّ


(a) بولاق: ومزاحمة.
(b) بولاق: شرف.
c بولاق: تصف.
(١) قارن مع المقريزي: السلوك ٦١١: ١ - ٦١٢.