للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنّهم أقاموا ابن العزيز، ولقّبوه بالملك المنصور، وعمره نحو تسع سنين، ونصبوا قراقوش أتابكا وهم في الباطن مختلفون (a) عليه، وما زالوا يسعون في إبطال أمر قراقوش حتى اتّفقوا على مكاتبة الأفضل - المتقدّم ذكره - ليقدم (b) إلى مصر، ويعمل أتابكيّة المنصور مدّة سبع سنين حتى يتأهّل بالاستبداد بالملك، بشرط ألاّ يرفع فوق رأسه سنجق الملك، ولا يذكر اسمه في خطبة ولا سكّة.

فلمّا سار القاصد إلى الأفضل بكتب الأمراء، بعث جهاركس في الباطن قاصدا، على لسانه ولسان الطائفة الصّلاحيّة، بكتبهم إلى الملك العادل أبي بكر بن أيّوب، وكتب إلى الأمير ميمون القصري صاحب نابلس يأمره بألاّ يطيع الملك الأفضل، ولا يحلف له.

فاتّفق خروج الملك الأفضل من صرخد، ولقاء قاصد فخر الدّين جهاركس، فأخذ منه الكتب وقال له: ارجع فقد قضيت الحاجة. وسار إلى القاهرة ومعه القاصد، فلمّا خرج الأمراء من القاهرة إلى لقائه ببلبيس، فعمل له فخر الدّين سماطا احتفل فيه احتفالا زائدا لينزل عنده، فنزل عند أخيه الملك المؤيّد نجم الدّين مسعود، فشقّ ذلك على جهاركس، وجاء إلى خدمته.

فلمّا فرغ من طعام أخيه، صار إلى خيمة جهاركس وقعد ليأكل، فرأى جهاركس قاصده الذي سيّره في خدمة الأفضل، فدهش وأيقن بالشّرّ، فللحال استأذن الأفضل أن يتوجّه إلى العرب المختلفين بأرض مصر ليصلح بينهم، فأذن له. وقام من فوره، واجتمع بالأمير زين الدّين قراجا والأمير أسد الدّين قراسنقر، وحسّن لهما مفارقة الأفضل، فساروا معه إلى القدس وغلبوا عليه، ووافقهم الأمير عزّ الدّين أسامة، والأمير ميمون القصري، فقدم عليهم في سبع مائة فارس. ولمّا صاروا كلمة واحدة، كتبوا إلى الملك العادل يستدعونه للقيام بأتابكيّة الملك/ المنصور محمد بن العزيز بمصر.

وأمّا الأفضل فإنّه لمّا دخل من بلبيس إلى القاهرة، قام بتدبير الدّولة وأمر الملك، بحيث لم يبق للمنصور معه سوى مجرّد الاسم فقط، وشرع في القبض على الطّائفة الصّلاحيّة أصحاب جهاركس، ففرّوا منه إلى جهاركس بالقدس، فقبض على من قدر عليه منهم ونهب أموالهم.

فلمّا زالت دولة الأفضل من مصر بقدوم الملك العادل أبي بكر بن أيّوب، استولى فخر الدّين جهاركس على بانياس بأمر العادل، ثم انحرف عنه، وكانت له أنباء إلى أن مات.


(a) بولاق: يختلفون.
(b) بولاق: وحضوره.