للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبرني أيضا الأمير شرف الدّين بن أبي القاسم، قال: أخبرني صارم الدّين التّبنيني أيضا أنّ الأمير فخر الدّين خدم عنده بعض الأجناد، فعرض عليه فأعجبه شكله، وقال لديوانه:

استخدموا هذا الرّجل. فتكلّموا معه، وقدّروا له في السّنة اثني عشر ألف درهم، فرضي الرجل، وانتقل إلى حلقة الأمير قوصون، وضرب خيمته وأحضر بركه.

فلمّا كان بعض الأيام رجع الأمير من الخدمة، فعبر في جنب خيمة هذا الرجل، فرأى خيمة حسنة، وخيلا جيادا وجمالا وبغالا وبركا في غاية الجودة، فقال: هذا البرك لمن؟ فقيل: هذا برك فلان الذي خدم عند الأمير في هذه الأيام؛ فقال: قولوا له: ما لك عندنا شغل تمضي في حال سبيلك.

فلمّا قيل للرجل ذلك، أمر بأن تحطّ خيمته، وأتى إليّ وقال: يا مولانا أنا رائح، وها أنا قد حملت بركي (١)، ولكن أشتهي منك أن تسأل الأمير: ما ذنبي؟ قال: فدخلت إلى الأمير وأخبرته بما قال الرّجل. فقال: واللّه ما له عندي ذنب، إلاّ أن هذا البرك وهذه الهمّة يستحقّ بها أضعاف ما أعطي، فأنكرت عليه كيف رضي بهذا القدر اليسير، وهو يستحقّ أن تكون أربعين ألف درهم، وتكون قليلة في حقّه، فإذا خدم بثلاثين ألف درهم يكون قد ترك لنا عشرة آلاف درهم؛ فهذا ذنبه عندي.

فرجعت إلى الرّجل فأعلمته بما قال الأمير. فقال: إنّما خدمت عند الأمير، ورضيت بهذا القدر لعلمي أنّ الأمير إذا عرف حالي فيما بعد لا يقنع لي بهذا الجاري، فكنت على ثقة من إحسان الأمير أبقاه اللّه، وأمّا الآن فلا أرضى أن أخدم إلاّ بثلاثين ألف درهم كما قال الأمير.

فرجعت إلى الأمير وأخبرته بما قال الرّجل، فقال: يجرى له ما طلب، وخلع عليه، وأحسن إليه.

وكان الأمير فخر الدّين جهاركس مقدّم النّاصريّة، والحاكم بديار مصر في أيّام الملك العزيز عثمان بن صلاح الدّين يوسف بن أيّوب إلى أن مات العزيز. فمال الأمير فخر الدّين جهاركس إلى ولاية ابن الملك العزيز، وفاوض في ذلك الأمير سيف الدّين يازكوج الأسدي، وهو يومئذ مقدّم الطّائفة الأسدية - وكان الملك العزيز قد أوصى بالملك لولده محمد، وأن يكون الأمير الطّواشي بهاء الدّين قراقوش الأسدي مدبّر أمره - فأشار يازكوج بإقامة الملك الأفضل عليّ ابن صلاح الدّين في تدبير أمر ابن العزيز. فكره ذلك جهاركس.


(١) برك: أي الأمتعة Dozy، R.، Suppl.، Dict.AR.I، p. ٧٥.