بيسري - الأمير شمس الدّين الشّمسي الصّالحي النّجمي (١)، أحد مماليك الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب البحريّة، تنقّل في الخدم حتى صار من أجلّ الأمراء في أيام الملك الظّاهر بيبرس البندقداري، واشتهر بالشّجاعة والكرم وعلوّ الهمّة. وكانت له عدّة مماليك راتب كلّ واحد منهم مائة رطل لحم، وفيهم من له عليه في اليوم مبلغ ستين عليقة لخيله، وبلغ عليق خيله وخيل مماليكه في كلّ يوم ثلاثة آلاف عليقة سوى علف الجمال، وكان ينعم بالألف دينار وبالخمس مائة غير مرّة.
ولمّا فرّق الملك العادل كتبغا المماليك على الأمراء، بعث إليه بستين مملوكا، فأخرج إليهم في يومهم لكلّ واحد فرسين وبغلا. وشكا إليه أستادّاره كثرة خرجه، وحسّن له الاقتصاد في النّفقة، فحنق عليه وعزله وأقام غيره، وقال: لا يرني وجهه أبدا. ولم يعرف عنه أنّه شرب الماء في كوز واحد مرّتين، وإنّما يشرب كلّ مرّة في كوز جديد، ثم لا يعاود الشّرب منه.
وتنكّر عليه الملك المنصور قلاوون فسجنه في سنة ثمانين وستّ مائة، وما زال في سجنه إلى أن مات الملك المنصور وقام من بعده ابنه الملك الأشرف خليل، فأفرج عنه في سنة اثنتين وتسعين وستّ مائة، بعد عوده من دمشق بشفاعة الأمير بيدرا والأمير سنجر الشّجاعي، وأمر أن يحمل إليه تشريف كامل، ويكتب له منشور بإمرة مائة فارس، وأن يلبس التّشريف من السّجن. فجهّز التّشريف، وحمل إليه المنشور في كيس حرير أطلس، وعظّم فيه تعظيما زائدا، وأثنى عليه ثناء جمّا، وسار إليه بيدرا والشّجاعي والدّوادار والأفرم إلى السّجن ليمشوا في خدمته إلى أن يقف بين يدي السّلطان، فامتنع من لبس التّشريف، والتزم بأيمان مغلّظة أنّه لا يدخل على السّلطان إلاّ بقيده ولباسه الذي كان عليه في السّجن. وتسامعت الأمراء وأهل القلعة بخروجه، فهرعوا إليه.
وكان لخروجه نهار عظيم.
(١) انظر ترجمة الأمير بيسري المتوفى سنة ٦٩٨ هـ/ ١٢٩٩ م عند الصفدي: أعيان العصر ٩٩: ٢ - ١٠٠، الوافي بالوفيات ٣٦٤: ١٠؛ المقريزي: المقفى الكبير ٥٧٦: ٢ - ٥٨١، السلوك ٨٨٠: ١؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٤٨: ٢؛ أبي المحاسن: المنهل الصافي ٥٠٠: ٣ - ٥٠٢، النجوم الزاهرة ١٨٥: ٨. وهنا حاشية بخط المؤلّف نصّها: «قال الجاحظ في كتاب «الحيوان»: ورأينا البيسري من النّاس - وهو الذي يخلق من بين البيض والهند - لا يخرج ذلك النتاج من مقدار ضخم الأبوين وقوتهما، ولكنه يجيء أحسن وأملح، وهم يسمّون الماء إذا خالطته الملوحة بيسرا، قياسا على هذا التركيب الذي حكينا من البيض والهنديات. وقال ابن سيده في «المحكم»: والبياسرة قوم بالسّند يؤاجرون أنفسهم من أهل السّفن لحرب عدوّهم».