للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما زالت بيد ورثة بيسري إلى سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة. فشرهت نفس الأمير قوصون إلى أخذها، وسأل السّلطان الملك النّاصر محمد بن قلاوون في ذلك، فأذن له في التّحدّث مع ورثة بيسري، فأرسل إليهم ووعدهم ومنّاهم وأرضاهم حتى أذعنوا له. فبعث السّلطان إلى قاضي القضاة شرف الدّين الحرّاني (a) الحنبلي يلتمس منه الحكم باستبدالها، كما حكم له (b) باستبدال بيت قتّال السّبع وحمّامه (١) الذي أنشأ جامعه بخطّ خارج الباب الجديد (٢) من الشّارع (c)، فأجاب إلى ذلك. ونزل إليها علاء الدّين (a) بن هلال الدّولة شادّ الدّواوين (٣) ومعه شهود القيمة، فقوّمت بمائة ألف درهم وتسعين ألف درهم نقرة، وتكون الغبطة للأيتام عشرة آلاف درهم نقرة لتتمّ الجملة مائتي ألف درهم نقرة. وحكم قاضي القضاة شرف الدّين الحرّاني ببيعها، وكان هذا الحكم ممّا شنّع عليه ذكره (d).

ثم اختلفت الأيدي في الاستيلاء على هذه الدّار، واقتدى القضاة بعضهم ببعض في الحكم باستبدالها. وآخر ما حكم به من استبدالها في أعوام بضع وثمانين وسبع مائة، فصارت من جملة الأوقاف الظّاهريّة برقوق، وهي الآن بيد ابنته (e) بيرم (٤).

وكان لها باب بوّابته من أعظم ما عمل من البوّابات بالقاهرة، ويتوصّل إلى هذه الدّار من هذا الباب، وهو بجوار حمّام بيسري من شارع بين القصرين، وقد بني تجاه هذا الباب حوانيت حتى خفي، وصار يدخل إلى هذه الدّار من باب آخر بخطّ الخرنشف.


(a) بياض في مسودة المواعظ.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) مسودة المواعظ: التي بنى مكانها الجامع خارج باب زويلة.
(d) بولاق: فيه.
(e) بولاق: ابنة.
(١) المقريزي: السلوك ٣٢١: ٢.
(٢) عن جامع قوصون انظر فيما يلي ٣٠٧: ٢.
(٣) شاد الدّواوين ويقال له أيضا مشد الدّواوين. هي الوظيفة التاسعة عشرة من الوظائف التي كان يشغلها عسكريون (أرباب السيوف) بحضرة السّلطان في العصر المملوكي. وكان شأنه يعظم أحيانا في حالة خلوّ الدولة من وزير فكان يستقل بتدبير أمورها. ومهمته هي استخلاص ما يتقرّر في الدّيوان على من يعسر استخلاصه منه، وربّما لجأ إلى الشّدّة في سبيل ذلك. (ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٥٩؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٢: ٤؛ حسن الباشا، الفنون الإسلامية والوظائف ٦١١ - ٦١٣).
(٤) المقريزي: مسودة المواعظ ٤١١ - ٤١٣.
وقد اندثرت الدّار البيسريّة بعد أن هدمها الأشرف برسباي سنة ٨٣٥ هـ. (ابن إياس: بدائع الزهور ١٤٠: ٢)، ويدلّ على مكانها الآن مجموعة المباني الواقعة في المنطقة التي تحدّ من الشرق بشارع المعز لدين اللّه، ومن الشمال بشارع الخرنفش، ومن الغرب بحارة البرقوقية، ومن الجنوب دار الحديث الكاملية، في مواجهة قصر بشتاك الذي ما زالت بقاياه قائمة حتى الآن ومسجلة بالآثار برقم ٣٤.