للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنده من المعرفة والخبرة، وتزوّج بابنة الأمير جمال الدّين آقوش المعروف بنائب الكرك وأولاده الذين ذكرنا منها.

وسرق له مال كثير من خزانته بهذه الدّار ادّعى أنّه مبلغ مائتي ألف درهم، وكان في الباطن - على ما قيل - سبع مائة ألف درهم، فما جسر يتفوّه خوفا من السّلطان. وكان إذ ذاك والي القاهرة الأمير سيف الدّين قدادار، المنسوب إليه القنطرة (١) على الخليج، فتقدّم أمر السّلطان إليه بتتبّع من سرق المال. فدسّ إليه الأمير بكتمر السّاقي والوزير مغلطاي الجمالي والقاضي فخر الدّين ناظر الجيش في السّرّ، أن يتهاون في أمر السّرقة نكاية لبكتمر، وأخذوا يحتجّون لكلّ من اتّهم، ويقولون للسّلطان: لعن اللّه ساعة هذه العملة، كلّ يوم يموت من النّاس تحت المقارع عدّة، وإلى متى يقتل المتّهم الذي لا ذنب له؟

فلمّا طال الأمر شكا بكتمر إلى السّلطان في دار العدل، فأحضر الوالي وسبّه السّلطان، فقال: «يا خوند، اللّصوص الذين أمسكتهم وعاقبتهم أقرّوا أنّ سيف الدّين بخشي خازنداره اتّفق معهم على أخذ المال وجماعة من ألزامه الذين في بابه». فقال السّلطان للجمالي الوزير:

«أحضر هؤلاء المذكورين وعاقبهم».

فأخذ بخشي وعصره - وكان عزيزا عند بكتمر، قد زوّجه بابنته، وهو يثق بعقله ودينه وأمانته - فشقّ ذلك عليه، واغتمّ غمّا شديدا مات منه فجأة فيما بين الظّهر إلى العصر من يوم (a) سنة ثمان وثلاثين (b) وسبع مائة؛ وكان خبيرا بالأمور، بصيرا بالحوادث، طويل الرّوح في الكلام، لا يملّ من تطويله ولو قعد في الحكم الواحد بين اليهودي والأمير ثلاثة أيام، ولا يلحقه من ذلك سآمة ألبتّة، مع معرفة تامة وخبرة بالسّياسة لم ير مثله في حقّ أصحابه لكثرة تذكّرهم في غيبتهم، والفكر في مصالحهم/، وتفقّد أحوالهم، ومن جفاه منهم عتب عليه.

وكان سمحا بجاهه، بخيلا بماله إلى الغاية، ساقط الهمّة في ذلك، وله متاجر وأملاك وسعادة لا تكاد تنحصر. ومع ذلك فله قدور يكريها لصلاّقي الفول والحمّص، وغير ذلك من العدد والآلات، ويماحك على أجرها مماحكة يستحى من ذكرها، وأنشأ عدّة دور، واقتنى كثيرا من البساتين.


(a) بياض في الأصول، وفي بولاق: من يومه.
(b) بولاق: وعشرين.
(١) انظر عن قنطرة قدادار فيما يلي ٤٩٩.