فقام من بعده ابنه السّكسك بن وائل الذي يقال له مقعقع الملك (١١) xax - وقد افترق ملك حمير - فحارب الثّوّار، وسار إلى الشّام، فلقيه عمرو بن امرئ القيس بن بابليون بن سبأ بالرّملة - وقد ملك بعد أبيه - وقدّم له هدية، فأقرّه على مصر حتى قدم عليه إبراهيم الخليل ﵇ ووهبه هاجر (١).
وقال أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم (٢) في كتاب «فتوح مصر وأخبارها»، عن عبد اللّه بن عبّاس ﵄ قال: كان لنوح ﵇ أربعة من الولد: سام وحام ويافث ويحطون، وأنّ نوحا رغب إلى اللّه ﷿، وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذرّيته حين تكاملوا بالنّماء والبركة، فوعده ذلك. فنادى نوح ولده وهم نيام عند السّحر، فنادى ساما فأجابه يسعى، وصاح سام في ولده فلم يجبه أحد منهم، إلاّ ابنه أرفخشذ، فانطلق به معه حتى أتياه، فوضع نوح يمينه على سام وشماله على أرفخشذ بن سام، وسأل اللّه ﷿ أن يبارك في سام أفضل البركة، وأن يجعل الملك والنّبوّة في ولد أرفخشذ.
ثم نادى حاما وتلفّت يمينا وشمالا، فلم يجبه ولم يقم إليه هو ولا أحد من ولده، فدعا اللّه ﷿ نوح أن يجعل ولده أذلاّء، وأن يجعلهم عبيدا لولد سام.
وكان مصر بن بيصر بن حام نائما إلى جنب جدّه، فلمّا سمع دعاء نوح على جدّه وولده، قام يسعى إلى نوح وقال: يا جدّي قد أجبتك إذ لم يجبك أبي (١٢) xbx ولا أحد من ولده، فاجعل لي دعوة من دعائك؛ ففرح نوح، ووضع يده على رأسه وقال:«اللّهم إنّه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذرّيته، وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمّ البلاد وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخّر له ولولده الأرض وذلّلها لهم وقوّهم عليها». ثم دعا ابنه يافث، فلم يجبه [هو](١٣) xcx ولا أحد من ولده، فدعا اللّه عليهم أن يجعلهم شرار الخلق (٣).
(١١) xax بولاق: الحمد، والتيجان: العمد. (١٢) xbx بولاق: جدي. (١٣) xcx زيادة من ابن عبد الحكم. (١) ابن هشام: التيجان ٥٧ - ٥٨. (٢) أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم محدّث ومؤرخ مصري المولد والوفاة، توفي بمصر سنة ٢٥٧ هـ/ ٨٧١ م. يعد أوّل مؤرخ لمصر الإسلامية، كما يعد كتابه الذي وصل إلينا «فتوح مصر وأخبارها»، المصدر الوحيد الذي سجل أحداث الفتح العربي الإسلامي لمصر وكان عليه اعتماد كل الذين تناولوا هذا الموضوع (انظر المقدمة). (٣) ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها ٧ - ٨؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٩: ١/ ١ - ١٠.