عطيفة ولا طفه، فلم يرجع. وكان حديد النّفس شجاعا/، فأقدم إليهم - وقد اجتمع قوّاد مكّة وأشرافها وهم ملبّسون يريدون الرّكب العراقي - وضرب مبارك بن عطيفة بدبّوس فأخطأه، وضربه مبارك بحربة نفذت من صدره، فسقط عن فرسه إلى الأرض. فأرتج النّاس ووقع القتال، فخرج أمير الرّكب العراقي واحترس على نفسه فسلم (١). وسقط في يد أمير مكّة إذا فات مقصوده، وحصل ما لم يكن بإرادته. ثم سكنت الفتنة، ودفن ألدمر.
وكان قتله يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجّة، فكأنّما نادى مناد في القاهرة والقلعة، والنّاس في صلاة العيد، بقتل ألدمر ووقوع الفتنة بمكة، ولم يبق أحد حتى تحدّث بذلك، وبلغ السّلطان فلم يكترث بالخبر، وقال: أين مكّة من مصر، ومن أتى بهذا الخبر؟
واستفيض هذا الخبر بقتل ألدمر حتّى انتشر في إقليم مصر كلّه، فما هو إلاّ أن حضر مبشّر الحاج في يوم الثلاثاء ثاني المحرّم سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة، فأخبروا بالخبر مثل ما أشيع.
فكان هذا من أغرب ما سمع به.
ولمّا بلغ السّلطان خبر قتل ألدمر، غضب غضبا شديدا، وصار يقوم ويقعد، وبأطل السّماط.
وأمر فجرّد من العسكر ألف فارس، كلّ منهم بخوذة وجوشن ومائة فردة نشّاب وفأس برأسين أحدهما للقطع والآخر للهدم، ومع كلّ منهم جملان وفرسان وهجين. ورسم لأمير هذا العسكر أنّه إذا وصل إلى ينبع وعدّاه، لا يرفع رأسه إلى السّماء بل ينظر إلى الأرض، ويقتل كلّ من يلقاه من العربان، إلاّ من علم أنّه أمير عرب فإنّه يقيّده ويسحبه معه. وجرّد من دمشق ستّ مائة فارس على هذا الحكم.
وطلب الأمير أيتمش أمير هذا الجيش ومن معه من الأمراء والمقدّمين، وقال له بدار العدل يوم الخدمة: وإذا وصلت إلى مكّة لا تدع أحدا من الأشراف ولا من القوّاد ولا من عبيدهم يسكن مكّة، وناد فيها: من أقام بمكّة حلّ دمه، ولا تدع شيئا من النّخل حتى تحرقه جميعه، ولا تترك بالحجاز دمنه عامرة، وخرّب المساكن كلّها، وأقم في مكّة بمن معك حتى أبعث إليك بعسكر ثان. (٢)
= الثمين ٤٠٣: ٤ - ٤٢٤؛ ابن فهد: غاية المرام ٧٨: ٢ - ١١١). (١) قارن مع المقريزي: المقفى الكبير ٢٨١: ٢. (٢) من هنا وحتى رقم ١ في صفحة ١١٦ نقله الجزيري في «الدّرر الفرائد المنظّمة» ٦٣٦: ١ - ٦٣٨.