للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت كلّ حارة من هذه بلدة كبيرة بالبزّازين والعطّارين والجزّارين وغيرهم، والولاة لا يحكمون عليها، ولا يحكم فيها إلاّ الأزمّة ونوّابهم. وأعظم الجميع الحارة الحسينيّة التي هي آخر صفّ الميمنة إلى الهليلجة - وهي الحسينيّة الآن - لأنّها كانت سكن الأرمن فارسهم وراجلهم، وكان يجتمع بها قريب من سبعة آلاف نفس وأكثر من ذلك، وبها أسواق عدّة (١).

وقال في موضع آخر: الحسينيّة منسوبة لجماعة من الأشراف الحسينيين كانوا في الأيام الكامليّة. قدموا من الحجاز، فنزلوا خارج باب النّصر بهذه الأمكنة واستوطنوها، وبنوا بها مدابغ صنعوا بها الأديم المشبّه بالطّائفي، فسميّت بالحسينيّة. ثم سكنها الأجناد بعد ذلك، وابتنوا بها هذه الأبنية العظيمة (٢).

وهذا وهم، فإنّه تقدّم أنّ من جملة الطّوائف في الأيّام الحاكمية الطائفة الحسينيّة، وتقدّم - فيما نقله ابن عبد الظّاهر أيضا - أنّ الحسينيّة كانت عدّة حارات، والأيّام الكامليّة إنّما كانت بعد الستّ مائة، وقد كانت الحسينيّة قبل ذلك بما ينيف عن مائتي سنة، فتدبّره.

واعلم أنّ الحسينيّة شقّتان: إحداهما/ ما خرج عن باب الفتوح، وطولها من خارج باب الفتوح إلى الخندق، وهذه الشّقّة هي التي كانت مساكن الجند في أيام الخلفاء الفاطميين، وبها كانت الحارات المذكورة. والشّقّة الأخرى ما خرج عن باب النّصر وامتدّ في الطّول إلى الرّيدانيّة، وهذه الشّقّة لم يكن بها في أيام الخلفاء الفاطميين سوى مصلّى العيد تجاه باب النّصر، وما بين المصلّى إلى الرّيدانيّة فضاء لا بناء فيه، وكانت القوافل إذا برزت تريد الحجّ تنزل هناك (٣).


(١) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٢٢ - ١٢٣؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣٨٥.
(٢) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٢٢؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣٨٣؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٥٥: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٥: ٤.
ويدلّ على موضع الحارة الحسينيّة المنطقة الواقعة تجاه باب الفتوح والتي يتوسّطها من الجنوب إلى الشمال شارع الحسينيّة وشارع البيّومي حتى ميدان الجيش، وانظر Behrens-Abouseif، D.، «The North-Eastern Extension of Cairo under the Mamluks»، An.Isl.
XVII (١٩٨١)، PP. ١٦٠ - ٦٥.؛ ولأمل محمد المصري: حي الحسينيّة في العصرين المملوكي والعثماني، رسالة ماجستير بآثار القاهرة ١٩٩٠. أمّا صحراء الهليلج فتقع بين الرّايدانية والخندق، أي ما يعادل الآن منطقتي العبّاسية والدّمرداش.
(٣) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٨٣، وتوجد هنا حاشية بخطّ المؤلّف نصّها: «الرّايدانية تنسب إلى ريدان الصقلبي أحد خدّام الخليفة العزيز باللّه، ولا أدري هذا الاسم عربيّا أو عجميّا، فإن كان عربيّا فإنه من مادّة: ري، ويقال: ريح ريده وراده ورايدانية - أي ليّنة الهبوب -، وقيل: ريح ريدة كثيرة الهبوب؛ فلعلّه أريد بريدان اللّيّن، واللّه أعلم». -