ولاية العهد. فعجز حسن عن مقاومتهم، فإنّه لم يبق معه سوى الرّاجل من الطّائفة الجيوشيّة، ومن يقول بقولهم من الغزّ الغرباء، فتحيّر وخاف على نفسه، فالتجأ إلى القصر، وصار إلى أبيه الحافظ. فما هو إلاّ أن تمكّن منه أبوه فقبض عليه وقيّده، وبعث إلى الأمراء يخبرهم بذلك، فأجمعوا على قتله، فردّ عليهم أنّه قد صرفه عنهم، ولا يمكّنه أبدا من التّصرّف ووعدهم بالزّيادة في الأرزاق والإقطاعات، وأن يكفّوا عن طلب قتله. فألحّوا في قتله، وقالوا: إمّا نحن وإمّا هو.
واشتدّ (a) طلبهم إيّاه حتى أحضروا الأحطاب والنّيران ليحرقوا القصر، وبالغوا في التجرّي على الخليفة، فلم يجد بدّا من إجابتهم إلى قتله، وسألهم أن يمهلوه ثلاثا، فأناخوا بين القصرين، وأقاموا على حالهم حتى تنقضي الثّلاث. فما وسع الحافظ إلاّ أن استدعى طبيبيه - وهما أبو منصور اليهودي، وابن قرقة النّصراني - وبدأ بأبي منصور وفاوضه في عمله سقية قاتلة، فامتنع من ذلك وحلف بالتّوراة أنّه لا يعرف عمل شيء من ذلك. فتركه وأحضر ابن قرقة، وكلّمه في هذا، فقال: السّاعة، ولا يتقطّع منها جسده، بل تفيض النّفس لا غير. فأحضر السّقية من يومه، فبعثها إلى حسن مع عدّة من الصّقالبة، وما زالوا يكرهونه على شربها حتى فعل، ومات في العشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمس مائة.
فبعث الحافظ إلى القوم سرّا يقول: قد كان ما أردتم، فامضوا إلى دوركم. فقالوا: لا بد أن يشاهده منّا من نثق به./ وندبوا منهم أميرا معروفا بالجراءة والشّرّ يقال له المعظّم جلال الدّين محمد - ويعرف بجلب راغب الآمري - فدخل إلى القصر، وسار جنب حسن، فإذا به قد سجّي بثوب، فكشف عن وجهه، وأخرج من وسطه آلة من حديد، وغرزه بها في عدّة مواضع من بدنه إلى أن تيقّن أنّه قد مات، وعاد إلى القوم وأخبرهم، فتفرّقوا (١).
(a) بولاق: اشتد. (١) راجع تفصيل الصراع بين الحافظ وابنه الحسن عند: ابن ميسر: أخبار مصر ١١٩ - ١٢١؛ ابن ظافر: أخبار الدول ٩٦ - ٩٧؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ البطاركة ٣/ ٢٨: ١ - ٣٠؛ ابن الأثير: الكامل ٦٧٣/ ١٠ و ٢٢: ١١؛ النويري: نهاية الأرب ٢٩٩: ٢٨ - ٣٠٠؛ ابن أبيك: كنز الدرر ٥١٤: ٦ - ٥١٥؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٩٤: ١٢؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٩: ٣ - ١٥٥ والمقفى الكبير ٤١٦: ٣ - ٤١٨؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٤١: ٥ - ٢٤٢؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية ٢٥٥ - ٢٥٨.