من يقدر عليه من الرّيحانيّة، فمضى واستصرخ النّاس لنصرة الخليفة على ولده حسن، وجمع أمما لا يحصيها إلاّ اللّه وسار بهم.
فبلغ ذلك حسنا، فزجّ عسكرا للقاء إسعاف فالتقيا، وكانت بينهما وقعة هبّت فيها ريح سوداء على عسكر إسعاف حتى هزمتهم، وركبهم عسكر حسن فلم ينج منهم إلاّ القليل، وغرق أكثرهم في البحر، وأخذ إسعاف أسيرا فحمل إلى القاهرة على جمل وفي رأسه طرطور لبد أحمر، فلمّا وصل بين القصرين رشق بالنّشّاب حتى هلك، ورمي من القصر الغربي بأستاذ آخر فقتل، وقتل الأمير شرف الأمراء (a). فاشتدّ ذلك على الحافظ وخاف على نفسه فكتب ورقة، وكاد ابنه بأن ألقى إليه تلك الورقة وفيها:«يا ولدي أنت على كلّ حال ولدي، ولو عمل كلّ منّا لصاحبه ما يكره الآخر ما أراد أن يصيبه مكروه، ولا يحملني قلبي، وقد انتهى الأمر إلى أمراء الدّولة - وهم فلان وفلان - وقد شددت وطأتك عليهم وخافوك، وهم معوّلون على قتلك، فخذ حذرك يا ولدي».
فعند ما وقف حسن على الورقة، غضب ولم يتأنّ وبعث إلى أولئك، فلمّا صاروا إليه أمر صبيان الزّرد بقتلهم، فقتلوا عن آخرهم - وكانوا عدّة من أعيان الأمراء - وأحاط بدورهم وأخذ سائر ما فيها. فاشتدّت المصيبة وعظمت الرّزيّة، وتخوّف من بقي من الجند ونفروا منه؛ فإنّه كان جريئا مفسدا شديد الفحص عن أحوال النّاس والاستقصاء لأخبارهم، يريد إقلاب الدّولة وتغييرها ليقدّم أوباشه، وأكثر من مصادرة النّاس، وقتل قاضي القضاة أبا الثّريّا نجم لأنّه كان من خواصّ أبيه، وقتل جماعة من الأعيان، وردّ القضاء لابن ميسّر (١).
وتفاقم أمره وعظم خطبه، واشتدّت الوحشة بينه وبين الأمراء والأجناد، وهمّوا بخلع الحافظ ومحاربة ابنه حسن، وصاروا يدا واحدة، واجتمعوا بين القصرين وهم عشرة آلاف ما بين فارس وراجل، وسيّروا إلى الحافظ يشكون ما هم فيه من البلاء مع ابنه حسن، ويطلبون منه أن يزيله من
(a) بولاق: شرف الدين. (المقريزي: المقفى ٤١٦: ٣ واتعاظ ١٥٠: ٣). (١) هما القاضي أبو الثّريّا نجم بن جعفر والقاضي أبو عبد اللّه محمد بن هبة اللّه بن ميسّر القيسراني. (ابن ميسر: أخبار ١١٨، ١٢٠؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٦: ٣ والمقفى الكبير ٣٩٨: ٧ - ٤٠١؛ ابن حجر: رفع الإصر ٤٢٦ - ٤٢٩، ٤٤٣).