وفي جانب هذا البحر الغربي - الذي يخرج منه البحر الرّومي الآتي ذكره إن شاء اللّه - الجزائر الخالدات (١)، وهي فيما يقال ستّ جزائر يسكنها قوم متوحّشون. وفي جانب هذا البحر الشّرقي، ممّا يلي الصّين، ستّ جزائر أيضا تعرف بجزائر السبلي، نزلها بعض العلويين في أوّل الإسلام خوفا على أنفسهم من القتل.
ويخرج من هذا المحيط ستة أبحر: أعظمها اثنان، وهما اللّذان عناهما اللّه تعالى بقوله:
﴿مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ﴾ [الآية ١٩ سورة الرحمن]، وقوله: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ اَلْبَحْرَيْنِ حاجِزاً﴾ [الآية ٦١ سورة النمل]. فأحدهما من جهة الشّرق، والآخر من جهة الغرب.
فالخارج من جهة الشّرق يقال له «البحر الصّينى»، و «البحر الهندي»، و «البحر الفارسي»، و «البحر اليمني»، و «البحر الحبشي»، بحسب ما يمرّ عليه من البلدان. وأمّا الخارج من الغرب، فيقال له «البحر الرّومي».
فأمّا البحر الهندي الخارج من جهة الشّرق، فإنّ مبدأ خروجه من مشرق الصّين، وراء خطّ الاستواء بثلاثة عشر درجة، ويجري إلى ناحية الغرب، فيمرّ على بلاد الصّين وبلاد الهند إلى مدينة كنباية وإلى التبير من بلاد مكران. فإذا صار إلى بلاد مكران ينقسم هناك قسمين: أحدهما يسمّى بحر فارس، والآخر يسمّى بحر اليمن، فيخرج بحر اليمن من ركن جبل خارج في البحر يسمّى هذا الركن رأس الجمجمة، فيمتدّ من هناك إلى مدينة ظفار، ويسير إلى الشّحر وساحل بلاد حضرموت إلى عدن وإلى باب المندب. وطول هذا البحر الهندي ثمانية/ آلاف ميل، في عرض ألف وسبع مائة ميل عند بعض المواضع، وربّما ضاق عن هذا القدر من العرض.
فإذا انتهى إلى باب المندب يخرج إلى بحر القلزم؛ والمندب جبل طوله اثنا عشر ميلا، وسعة فوهته قدر ما يرى الرجل الآخر من البرّ تجاهه.
فإذا فارق باب المندب، مرّ في جهة الشّمال بساحلي زبيد والحردة إلى عثّر - وكانت عثّر مقرّ الملك في القديم - ويمرّ من هناك على حلي إلى عسفان والجار، وهي فرضة المدينة النّبوية - على الحال بها أفضل الصّلاة والسّلام والتّحيّة والإكرام - ومنها على ما يقابل الجحفة - حيث يسمّى اليوم رابغ - إلى الحوراء ومدين وأيلة والطّور وفاران ومدينة القلزم. فإذا وصل إلى القلزم انعطف
(١) الجزائر الخالدات. جزائر في المحيط الأطنطلي كانت تعرف ب Iles Fortunee ومنها Canaries كانت مبدأ الأطوال عند فريق من العلماء (المسعودي: مروج الذهب ٩٩: ١).