فأخذ ضرغام مال الأيتام الذي كان بمودع الحكم، فكرهه النّاس واستعجزوه، ومالوا مع شاور.
فتنكّر منهم ضرغام، وتحدّث بإيقاع العقوبة بهم، فزاد بغضهم له.
ونزل شاور في أرض اللّوق خارج باب زويلة، وطارد رجال ضرغام. وقد خلت المنصورة والهلالية، وبيّت (a) أهل اليانسيّة بها، وزحف إلى باب سعادة وباب القنطرة، وطرح النّار في اللّؤلؤة وما حولها من الدّور. وعظمت الحروب بينه وبين أصحاب ضرغام، وفني كثير من الطائفة الرّيحانيّة، فبعثوا إلى شاور ووعدوه بأنّهم عون له، فانحلّ أمر ضرغام، فأرسل العاضد إلى الرّماة يأمرهم بالكفّ عن الرّمي، فخرج الرّجال إلى شاور، وصاروا من جملته.
وفترت همّة أهل القاهرة وأخذ كلّ منهم يعمل الحيلة في الخروج إلى شاور، فأمر ضرغام بضرب الأبواق لتجتمع النّاس، فضربت الأبواق والطّبول ما شاء اللّه من فوق الأسوار، فلم يخرج إليه أحد، وانفكّ عنه النّاس، فسار إلى باب الذّهب من أبواب القصر ومعه خمس مائة فارس فوقف وطلب من الخليفة أن يشرف عليه من الطّاق، وتضرّع إليه وأقسم عليه بآبائه، فلم يجبه أحد. واستمرّ واقفا إلى العصر، والنّاس تنحلّ عنه حتى بقي في نحو ثلاثين فارسا، فوردت عليه رقعة فيها «خذ نفسك وانج بها».
وإذا بالأبواق والطّبول قد دخلت من باب القنطرة ومعها عساكر شاور، فمرّ ضرغام إلى باب زويلة، فصاح النّاس عليه ولعنوه وتخطّفوا من معه، وأدركه القوم فأردوه عن فرسه قريبا من الجسر الأعظم - فيما بين القاهرة ومصر - واحتزّوا رأسه في سلخ جمادى الآخرة، وفرّ منهم أخوه إلى جهة المطريّة، فأدركه الطّلب، وقتل عند مسجد تبر خارج القاهرة، وقتل أخوه الآخر عند بركة الفيل، فصار جسد (b) ضرغام ملقى يومين، ثم حمل إلى القرافة ودفن بها.
وكانت وزارته تسعة أشهر، وكان من أجلّ أعيان الأمراء، وأشجع فرسانهم وأجودهم لعبا بالكرة، وأشدّهم رميا بالسّهام، ويكتب مع ذلك كتابة ابن مقلة، وينظم الموشّحات الجيّدة (١).
(a) بولاق: وثبت. (b) بولاق: حينئذ. (١) مصدر هذه المعلومات عند المقريزي هنا وفي اتعاظ الحنفا ٢٦٤: ٣ - ٢٧١ هو جزء لطيف مجهول المؤلّف سمّاه مؤلّفه «أخبار الدّولة المصرية وما جرى بين الملوك والخلفاء من الفتن والحروب من أيّام الآمر إلى أيّام شير كوه». وهو نصّ أورده ابن الفرات في «تاريخه» واعتمد عليه المقريزي - سواء بطريق مباشر أو غير مباشر - وأثبته هنا في المواعظ بطريقة ملخّصة. ونشر هذا الجزء من تاريخ ابن الفرات كلود كاهن في مقال هام عنوانه: Cahen، Cl.، «Un recit inedit du