ووعده بالمعاونة له. فأظلم الجوّ بينه وبينهم، وتجرّد للإيقاع بهم على عادته في التّسرّع للعقوبة (a)، وأحضرهم إليه في دار الوزارة ليلا، وقتلهم بالسّيف صبرا، وهم: صبح بن شاهنشاه، والظّهير (b) مرتفع المعروف بالجلواص، وعين الزّمان، وعليّ بن الزّبد، وأسد الغاوي (c)، وأقاربهم وهم نحو من سبعين أميرا سوى أتباعهم، فذهبت لذلك رجال الدّولة، واختلّت أحوالها وضعفت بذهاب أكابرها وفقد أصحاب الرّأي والتّدبير.
وقصد الفرنج ديار مصر، فخرج إليهم همّام أخو ضرغام وانهزم منهم، وقتل بينهم (d) عدّة، ونزلوا/ على حصن بلبيس، وملكوا بعض السّور ثم ساروا. وعاد همّام عودا رديئا، فبعث به ضرغام إلى الإسكندرية وبها الأمير مرتفع الجلواص، فأخذه العرب، وقاده همّام إلى أخيه فضرب عنقه وصلبه على باب زويلة.
فما هو إلاّ أن قدم رسل الفرنج على ضرغام في طلب مال الهدنة المقرّر في كلّ سنة، وهو ثلاثة وثلاثون ألف دينار، وإذا بالخبر قد ورد بقدوم شاور من الشّام ومعه أسد الدّين شير كوه في كثير من الغزّ، فأزعجه ذلك؛ وأصبح النّاس يوم التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وخمس مائة خائفين على أنفسهم وأموالهم، فجمعوا الأقوات والماء وتحوّلوا من مساكنهم.
وخرج همّام بالعسكر أوّل يوم من جمادى الآخرة، فسار إلى بلبيس، وكانت له وقعة مع شاور انهزم فيها، وصار إلى شاور وأصحابه جميع ما كان مع عسكر همّام وأسروا عدّة. ونزل شاور بمن معه إلى التّاج ظاهر القاهرة (١)، في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة، فجمع ضرغام النّاس، وضمّ إليه الطائفة (e) الرّيحانية والطائفة الجيوشيّة بداخل القاهرة، وشاور مقيم بالتّاج مدّة أيّام وطوالعه من العربان، تطارد (f) عسكر ضرغام بأرض الطّبّالة (٢) خارج القاهرة.
ثم سار شاور ونزل بالمقس، فخرج إليه عسكر ضرغام وحاربوه فانهزم هزيمة قبيحة، وسار إلى بركة الحبش، ونزل بالشّرف الذي يعرف اليوم بالرّصد، وملك مدينة مصر، وأقام بها أياما.
(a) بولاق: أسرع العقوبة. (b) بولاق: الطهر. (c) بولاق: الفازي. (d) بولاق: منهم. (e) بولاق: طائفة. (f) بولاق: فطارد. (١) انظر عن التّاج، فيما تقدم ٥٦٧: ٢؛ وفيما يلي ٤٢٥. (٢) انظر عن أرض الطّبّالة فيما يلي ٤١٥ - ٤١٨.