للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبلغ العزيز أنّ عليه ستة عشر ألف دينار دينا، فأرسل بها إلى قبره، فوضعت عليه، وفرّقت على أرباب الدّيون، وألزم القرّاء بالمقام على قبره، وأجرى عليهم الطّعام. وكانت الموائد تحضر إلى قبره كلّ يوم مدّة شهر، وتحضر (a) نساء الخاصّة كلّ يوم ومعهن نساء العامّة، فتقوم الجواري بأقداح الفضّة والبلّور وملاعق الفضّة، فتسقي (b) النّساء الأشربة والسّويق بالسكر، ولم تتأخّر نائحة ولا لاعبة عن حضور القبر مدّة الشهر.

وخلّف أملاكا وضياعا (c)) ما بين (c) قياسر ورباع، وعينا وورقا، وأواني ذهبا وفضّة وجوهرا وعنبرا وطيبا وثيابا، وفرشا ومصاحف وكتبا، وجواري وعبيدا، وخيلا وبغالا ونوقا وحمرا وإبلا وغلالا، وخزائن ما بين أشربة وأطعمة قوّمت بأربعة آلاف ألف دينار، سوى ما جهّز به ابنته وهو ما قيمته مائتا ألف دينار. وخلّف ثمان مائة حظيّة سوى جواري الخدمة. فلم يتعرّض العزيز لشيء ممّا يملكه أهله وجواريه وغلمانه، وأمر بحفظ جهاز ابنته إلى أن زوّجها (١)، وأجرى لمن في داره كلّ شهر ستّ مائة دينار للنّفقة، سوى الكسوة والجرايات وما يحمل إليهم من الأطعمة من القصر، وأمر بنقل ما خلّفه إلى القصر. فلمّا تمّ له من يوم وفاته شهر أقطع الأمير منصور بن العزيز جميع مستغلاّته (٢).

وأقرّ العزيز جميع ما فعله الوزير وما ولاّه من العمّال على حاله، وأجرى الرّسوم التي كان يجريها، وأقرّ غلمانه على حالهم وقال: هؤلاء صنائعي - وكانت عدّة غلمان الوزير أربعة آلاف غلام عرفوا بالطّائفة الوزيريّة - وزاد العزيز أرزاقهم عمّا كانت عليه وأدناهم. وإليهم تنسب الوزيريّة، فإنّها كانت مساكنهم.

واتّفق أنّ الوزير عمّر قبّة أنفق عليها خمسة عشر ألف دينار. وآخر ما قال: لقد طال أمر هذه القبّة ما هذه قبّة، هذه تربة! فكانت كذلك، ودفن تحتها. وموضع قبره اليوم المدرسة الصّاحبيّة (٣).


(a) بولاق: يحضر.
(b) بولاق: فيسقين.
(c-c) ساقطة من بولاق.
(١) في مسودة المواعظ ٣٧٢: «إلى أن تزوّجت بياروخ التركي - أحد مماليك العزيز - على صداق مبلغه عشرة آلاف دينار وعقد عليه في القصر».
(٢) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٧٠ - ٣٧٢ ومصدره فيها: المسبّحي.
(٣) انظر فيما يلي ٣٧١: ٢.