للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القصر، وأمرهم بملازمة الخدمة وتفقّد أحوالهم، وأزاح (a) علل أولياء الدّولة، وتفقّد أمور النّاس وأزال ضروراتهم، ومنع النّاس كافّة من التّرجّل له. وكان (b) النّاس يلقونه في داره، فإذا تكامل لقاؤهم ركبوا بين يديه إلى القصر، ما عدا الحسين بن جوهر والقاضي ابن النّعمان فقط، فإنّهما كانا يتقدّمانه من دورهما إلى القصر أو يلحقانه، ويكون سلامهما عليه بالقصر (c)، ثم (d) أنّه لقّب كاتبه فهدا بالرّئيس، فصار يخاطب بذلك ويكاتب به.

وكان برجوان يجلس في دهاليز القصر، ويجلس الرّئيس فهد في الدّهليز (e) الأوّل يوقّع وينظر، ويطالع برجوان بما يحتاج إليه ممّا يطالع به الحاكم، فيخرج الأمر بما يكون العمل به.

وترقّت أحوال برجوان إلى أن بلغ النّهاية، فقصّر عن الخدمة، وتشاغل بلذّاته، وأقبل على سماع الغناء، وأكثر من الطّرب. وكان شديد المحبّة في الغناء، فكان المغنّون من الرّجال والنّساء يحضرون داره، فيكون معهم كأحدهم. ثم يجلس في داره حتى يمضي صدر النّهار، ويتكامل جميع أهل الدّولة وأرباب الأشغال على بابه. فيخرج راكبا، ويمضي إلى القصر فيمشي من الأمور ما يختار بغير مشاورة.

فلمّا تزايد الأمر وكثر استبداده، تجرّد له الحاكم، ونقم عليه أشياء من تجرّيه عليه ومعاملته له بالإذلال وعدم الامتثال، منها أنّه استدعاه يوما وهو راكب معه، فصار إليه وقد ثنى رجله على عنق فرسه، وصار باطن قدمه وفيه الخفّ قبالة وجه الحاكم، ونحو ذلك من سوء الأدب.

فلمّا كان يوم الخميس سادس عشرين ربيع الآخر سنة تسعين وثلاث مائة، أنفذ إليه الحاكم عشيّة للرّكوب معه إلى المقس (f)، فجاء بعد ما تباطأ وقد ضاق الوقت (g)) فدخل إلى القصر والموكب راكب بالباب (g)، فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم باكيا يصيح: قتل مولاي - وكان هذا الخادم عينا لبرجوان في القصر - فاضطّرب النّاس، وأشرف عليهم الحاكم، وقام ريدان (h) - صاحب المظلّة - فصاح بهم: «من كان في الطّاعة فلينصرف إلى منزله، ويبكّر إلى القصر المعمور»، فانصرف الجميع.


(a) بولاق وليدن: وأزال.
(b) بولاق: فكان.
(c) بولاق: في القصر.
(d) بولاق: حتى.
(e) بولاق: بالدهليز.
(f) بولاق: المقياس.
(g-g) ساقطة من بولاق.
(h) بولاق: زيدان. «الرّئيس» في جمادى الأولى سنة ٣٨٨ هـ/ ٩٩٨ م. (ابن الصيرفي: الإشارة ٥٧؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ البطاركة ١٢٣: ٢/ ٢؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤: ٢؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ١٦٢).