أمّا القرون الثّلاثة الأولى للإسلام في مصر، فإنّ مصادر المقريزي فيها تظلّ كذلك كتاب «فتوح مصر» لابن عبد الحكم (فيما تقدم ٧٢: ١، ١٩: ٢)، وكتاب «أمراء مصر» المنشور بعنوان «ولاة مصر» لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي (فيما تقدم ٢٠: ٢) ولكنّه حدّد في المسوّدة النّسخة التي اعتمد عليها وهي «أصل القاضي القضاعي الذي قرأه على ابن النّحّاس»(فيما يلي ١٧: ٦٣٨)، واعتمد من مؤلّفات الكندي كذلك على كتابي «الموالي» و «الخندق» و «الجند الغربي»، ثم يعتمد فيما يخصّ دولة بني طولون على كتاب «السّيرة الطّولونيّة» للبلوي (فيما تقدم ٢٢: ٢ - ٢٣).
ويأتي في مقدّمة مصادر عصر سلاطين المماليك التي اعتمد عليها المقريزي، كتاب «الرّوض الزّاهر في سيرة الملك الظّاهر» للقاضي محيي الدّين بن عبد الظّاهر، المتوفى سنة ٦٩٢ هـ/ ١٢٩٢ م (فيما تقدم ٤٢: ٢) والذي أطلق عليه المقريزيّ «السّيرة الظّاهريّة» أو «سيرة الملك الظّاهر» دون تحديد لاسم مؤلّفه. فرغم أنّه توجد سيرة أخرى للسّلطان الظّاهر بيبرس كتبها عزّ الدّين محمد بن علي بن إبراهيم بن شدّاد، المتوفى سنة ٦٨٤ هـ/ ١٢٨٥ م، عنوانها «تاريخ الملك الظّاهر»(١)، لم يصل إلينا منها إلاّ جزؤها الثّاني، فإنّ نقول المقريزي لا تتّفق مع ما جاء فيها. ومع ذلك فإنّ ما نقله المقريزي من «سيرة الملك الظّاهر» - التي كتبها ابن عبد الظّاهر - يثبت أنّ ما وصل إلينا منها ونشره عبد العزيز الخويطر في الرياض سنة ١٩٧٦، سيرة مختصرة، فهناك كثير من النّصوص التي ينسبها إليها المقريزي لا توجد في النّسخة الوحيدة التي وصلت إلينا من الكتاب، أو وردت فيها بطريقة مختصرة. ولم أتمكن من مقابلة نسخة «الرّوض الزّاهر» الموجودة بين أيدينا بالمختصر الذي كتبه سنة ٧١٦ هـ/ ١٣١٦ م شافع بن عليّ سبط ابن عبد الظّاهر، المتوفى سنة ٧٣٠ هـ/ ١٣٢٩ م، والذي تحتفظ المكتبة الوطنية بباريس بنسخة منه تحت رقم ar. ١٧٠٧ عنوانها «المناقب السّريّة المنتزعة من السّيرة الظّاهرية» لأثبت إن كانت هناك علاقة بينها وبين نسخة «الرّوض الزّاهر» التي وصلت إلينا.
ونقل المقريزي نصّا مطوّلا من كتاب آخر لابن عبد الظّاهر، لم يصل إلينا، هو كتاب «تمائم الحمائم» الذي تناول فيه الحمام المعروف ب «الهدي» الذي له اهتداء في الطّيران من المسافة
(١) نشرها أحمد حطيط وصدرت في سلسلة النّشرات الإسلامية - ٣١، التي يصدرها المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت سنة ١٩٨٣.