السّلطان سليم العثماني نزل بالرّخام الذي فكّه من القلعة فوضعه في صناديق خشب حملت في المراكب إلى إستانبول، ثم قال:«ومن العجائب أنّ السّلطان الغوري ظلم أولاد ناظر الخاصّ يوسف وأخذ رخام قاعتهم التي تسمّى بنصف الدّنيا وجعل ذلك الرّخام في قاعة البيسريّة، فسلّط اللّه تعالى عليه بعد موته من أخذه من البيسريّة ولم ينتفع به أحد من بعده، والمجازاة من جنس العمل»(١).
كان الوصف الذي قدّمه علماء الحملة الفرنسية لقلعة الجبل في نهاية القرن الثّامن عشر الميلادي، هو وصف لآخر ما تبقّى من منشآت المماليك في القلعة، فقد تبدّل هذا الوضع تماما عشيّة خروج الفرنسيين من مصر وبعد تولّي محمد علي باشا سنة ١٨٠٥ م. ففي عهده تغيّرت معالم القلعة كلّيّة، وأدّى هذا التّغيير إلى زوال القصور السّلطانية القديمة، وأقام في مواضعها مبان جديدة أهمّها: جامعه الذي أنشأه في مكان الإيوان الكبير بين سنتي ١٨٣٠ - ١٨٤٨ م، ودار الضّرب سنة ١٨١٢، وقصر الجوهرة وقصر العدل سنة ١٨١٤ م موضع السّبع قاعات، كما جدّد محمد عليّ أبواب القلعة الرّئيسة وأعاد بناءها، فسدّ باب المدرّج وأنشأ في عام ١٨٢٧ م باب القلعة العمومي الحالي المعروف بالباب الجديد، وجدّد باب السّرّ، أو باب السّبع حدرات، وأنشأ في موضعه الباب الوسطاني الذي يدخل منه إلى الحوش الذي فيه جامع النّاصر محمد بن قلاوون وجامع محمد علي باشا، كما جدّد باب القلّة الحالي الواقع تجاه الباب البحري الشّرقي لجامع النّاصر محمد بن قلاوون سنة ١٨٢٦ م، كما أنّ جميع المباني الواقعة داخل باب القلّة، والتي يشغلها الآن المتحف الحربي والمبنى الذي كانت تشغله إلى وقت قريب دار الوثائق القومية، هي أيضا من إنشاء محمد علي باشا. وعلى ذلك فإنّه لم يبق من المدينة الملكية المملوكية بقلعة الجبل سوى جامع النّاصر محمد بن قلاوون الواقع في مواجهة جامع محمد علي باشا، وبقايا القاعة الأشرفية وأطلال القصر الأبلق (فيما يلي ٦٦٩، ٦٧٦).