للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فيما يلي ٣٩) والحارة الفرحيّة (فيما يلي ٣٩)، وأورثت حارات أخرى اسمها إلى درب من الدّروب مثل: حارة الأتراك (فيما يلي ٢٧) وحارة الفرحيّة (فيما يلي ٣٩)، أو تقلّص حجمها ودخلت في تجمّع أكبر مثل حارة كتامة (فيما يلي ٢٨) وحارة الطّوارق (فيما يلي ٤٣)، وإن احتفظت بعض المواضع التي وردت في حجج الوقف المملوكية بأسماء الحارات الفاطمية مثل: حارة زويلة وحارة الدّيلم وحارة الرّوم وحارة بهاء الدّين وحارة الهلاليّة وحارة الجوذريّة (١)، وكان يضاف إليها أحيانا كلمة «خطّ» كأن يقال: «خطّ حارة الدّيلم» أو يحلّ لفظ «خطّ» محلّ لفظ «حارة» مثل: خطّ الوزيرية وخطّ الجوذريّة وخطّ اليانسيّة وخطّ المحمودية (٢).

كانت «حارات» القاهرة الفاطميّة، مثلها مثل «خطط» الفسطاط و «قطائع» ابن طولون، معزولة بعضها عن الآخر ويتخلّل كلاّ منها شبكة من السكك والدّروب ولكلّ منها أسواقها وحمّاماتها ومساجدها، ولم تختلف هذه الصّورة كثيرا طوال العصر الإسلامي، ولكنّها فقدت فقط صبغتها العسكرية التي ميّزتها في العصر الفاطمي. كما أنّ وجود القصر والبلاط الفاطمي في وسط المدينة الحصن تطلّب وجود مساحات مفتوحة لاستعراض الجيش ومسلك المواكب الاحتفالية. ولكن مع الأزمة الاقتصادية والإدارية التي اجتاحت مصر في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي والتي أدّت إلى استدعاء الإمام المستنصر باللّه للقائد العسكري بدر الجمالي من عكّا ليعيد الأمن والنّظام إلى البلاد، فقدت القاهرة بعض طابعها الرّسمي و «أباح بدر للنّاس من العسكريّة والملحيّة والأرمن وكلّ من وصلت قدرته إلى عمارة، أن يعمّر ما شاء في القاهرة ممّا خلا من دور الفسطاط بموت أهلها. فأخذ النّاس في هدم المساكن ونحوها بمصر وعمّروا بها في القاهرة، فكان هذا أوّل وقت اختطّ النّاس فيه بالقاهرة» (فيما تقدم ٩: ١ - ١٠، ٢٢٢: ٢).

ومن خلال وصف ناصر خسرو لكلّ من القاهرة والفسطاط فإنّنا نلحظ فرقا واضحا في مظهر وتركيب كلّ من المدينتين اللتين كوّنتا العاصمة المصرية في العصر الفاطمي. ففي الواقع فإنّنا أمام تجمّعين مختلفين تماما، فبينما تمثّل الفسطاط مدينة يقطنها عامّة الشّعب وطوائف العلماء والتّجار والحرفيين وتختصّ بالنّشاط العلمي والاقتصادي والحرفي، نجد القاهرة تمثّل نمط المدن الملكية المقسمّه إلى حارات منعزلة ويسكنها الصّفوة التي تمارس أغلب السّلطة الإدارية. وتمثّل كلّ حارة


(١) Garcin، J. -Cl.، op.cit.، p. ١٢٦ n. ٣٩.
(٢) Garcin، J. -Cl.، op.cit.، p. ١٣٢ n. ٧٤.