للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما زال يوم فتح سدّ هذا البحر يوما مشهودا إلى أن زالت الدولة الفاطمية؛ فلمّا استولى بنو أيّوب من بعدهم على مملكة مصر أجروا الحال فيه على ما كان (١).

قال القاضي الفاضل في «متجدّدات» سنة سبع وسبعين وخمس مائة: وركب السّلطان الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن أيّوب لفتح بحر أبي المنجّا وعاد (٢).

وقال: وفي سنة تسعين وخمس مائة، كسر بحر أبي المنجّا بعد أن تأخّر كسره عن عيد الصّليب بسبعة أيام (٣)، وكان ذلك لقصور النّيل في هذه السّنة، ولم يباشر السّلطان الملك العزيز عثمان بن السّلطان صلاح الدّين بنفسه، وركب أخوه شرف الدّين يعقوب الطّواشي لكسره.

وبدت في هذا اليوم من مخايل القنوط (a) ما يوجبه سوء الأفعال، من المجاهرة بالمنكرات، والإعلان بالفواحش. وقد أفرط هذا الأمر، واشترك فيه الآمر والمأمور، ولم ينسلخ شهر رمضان إلاّ وقد شهد ما لم يشهده رمضان قبله في الإسلام.

وبدا عقاب اللّه في الماء الذي كانت المعاصي على ظهره، فإنّ المراكب كان يركب فيها في رمضان الرّجال والنّساء مختلطين مكشّفات الوجوه، وأيدي الرّجال تنال منها ما تنال في الخلوات، والطّبول والعيدان مرتفعات الأصوات والصّنجات، واستنابوا في الليل عن الخمر بالماء والجلاّب ظاهرا، وقيل: إنهم شربوا الخمر مستورا، وقربت المراكب بعضها من بعض، وعجز المنكر عن الإنكار إلاّ بقلبه. ورفع الأمر إلى السّلطان، فندب حاجبه في بعض اللّيالي، ففرّق منهم من وجده في الحالة الحاضرة، ثم عادوا بعد عوده. وذكر أنّه وجد في بعض المعادي خمرا فأراقه.

ولمّا استهلّ شوّال، وهو مطموع فيه، تضاعف هذا المنكر، وفشت هذه الفاحشة. ونسأل اللّه العفو والعافية عن الكبائر، والتّجاوز عمّا تسقط فيه المعاذر.

وقال في سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة: كسر بحر أبي المنجّا، وباشر العزيز كسره، وزاد النّيل فيه أصبعا وهي الأصبع الثامنة عشرة من ثماني عشر ذراعا؛ وهذا الحدّ


(a) بولاق: القبوط.
(١) ابن عبد الظاهر: الروضة ١٢٩ - ١٣٠؛ ابن دقماق: الانتصار ٢٦: ٥؛ ابن المأمون: أخبار مصر ١١ - ١٢؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٥٠: ٣؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٠١: ٣ - ٣٠٢.
(٢) المقريزي: السلوك ٧٣: ١.
(٣) نفسه ١١٩: ١، وانظر عن عيد الصّليب فيما تقدم ٧٢١: ١ - ٧٢٤.