الموضع الذي حفروا فيه البحر، وأقام الحفر فيه سنتين، وفي كلّ سنة تتبيّن الفائدة فيه، ويتضاعف من ارتفاع البلاد ما يهوّن الغرامة عليه.
ولمّا عرض على الأفضل جملة ما أنفق فيه استعظمه، وقال: غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبي المنجّا. فغيّر اسمه ودعي ب «البحر الأفضلي» فلم يتمّ ذلك، ولم يعرف إلاّ بأبي المنجّا (١).
ثم جرى بين أبي المنجّا وبين ابن أبي اللّيث صاحب الدّيوان، بسبب الذي أنفق، خطوب أدّت إلى اعتقال أبي المنجّا عدّة سنين، ثم نفي إلى الإسكندرية بعد أن كادت (a) نفسه تتلف، ولم يزل القائد أبو عبد اللّه بن فاتك يتلطّف حاله إلى أن (b) تضاعف من عبرة البلاد ما سهّل أمر النّفقة فيه (٢).
ورأيت بخطّ ابن عبد الظّاهر: وهذا أبو المنجّا هو جدّ بني صفير الحكماء اليهود، والذين أسلموا منهم (٣).
ولمّا طال اعتقال أبي المنجّا في الإسكندرية في مكان بمفرده مضيّقا عليه، تحيّل في تحصيل مصحف وكتب ختمة، وكتب في آخرها:«كتبها أبو المنجّا اليهودي»، وبعثها إلى السّوق ليبيعها. فقامت قيامة أهل الثّغر، وطولع بأمره إلى الخليفة، فأخرج وقيل له: ما حملك على هذا؟ فقال: طلب الخلاص بالقتل. فأدّب، وأطلق سبيله.
وقيل: إنّه كان في محبسه حيّة عظيمة، فأحضر إليه في بعض الأيام لبن، فرأى الحيّة وقد شربت منه ودخلت جحرها، فصار في كلّ يوم يحضر لها لبنا فتخرج وتشرب منه وتدخل مكانها ولم تؤذه.
ولمّا ولي المأمون البطائحيّ وزارة الآمر بأحكام اللّه، بعد الأفضل بن أمير الجيوش، تحدّث الآمر معه في رؤية فتح هذا الخليج، وأن يكون له يوم كخليج القاهرة. فندب المأمون (c) معه عديّ الملك أبا البركات بن عثمان وكيله، وأمره بأن يبني على مكان السّدّ منظرة متّسعة تكون من بحري السّدّ، وشرع في عمارتها بعد كمال النّيل.
(a) بولاق: كانت. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: الآمر معه. (١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٥٠: ٣. (٢) ابن المأمون: أخبار مصر ١١؛ ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٢٩؛ ابن دقماق: الانتصار ٤٦: ٥. (٣) ابن عبد الظاهر: الروضة ١٢٩؛ ابن دقماق: الانتصار ٤٦: ٥.