ثم (a) يحضر بين يدي الخليفة «المقدّم» و «الرّئيس» فيوصيهما ويدعو للجماعة بالسّلامة والنّصرة (b)، ويعطي المقدّم مائة دينار، والرّئيس عشرين دينارا. وينحدر إلى دمياط ويخرج إلى البحر الملح، فيكون لها ببلاد العدوّ صيت وهيبة. فإذا وقع لهم مركب لا يسألون عمّا فيه سوى الصّغار والرّجال والنّساء والسّلاح، وما عدا ذلك فللأسطول.
واتّفق مرّة أن قدّم على الأسطول سيف الملك الجمل فكبست (c) بطسة (١) عظيمة فيها ألف وخمس مائة شخص بعد أن شنعت عليهم بالقتال، وقتل منهم نحو من مائتين (d) وعشرين رجلا، وحضر إلى القاهرة. ففرح الخليفة وركب إلى المقس وجلس بالمنظرة للقائهم، وأطلقوا الأسرى بين يديه تحت المنظرة من جانب البرّ. فاستدعيت الجمال لركوبهم، وشقّ بهم القاهرة ومصر، (e) فما وجدت في الحال جمال كعدتهم فركّبوا الرجال (e) منهم كلّ اثنين على جمل ظهرا لظهر. وعاد الخليفة إلى القصر (e) وما كفاه نظره لهم في المنظرة فرحا بهم (e)، فجلس في إحدى مناظره لنظرهم في جوازهم.
فلمّا عادوا من مصر، صاروا بهم إلى المناخات، فصحّ منهم ألف رجل. فانضافوا إلى من في المناخ. وأمّا النّساء والصّبيان فإنّهم دخلوا بهم إلى القصر، بعد أن حمل منهم للوزير نصيب وافر، وأخذت الجهات والأقارب بقيتهن، فيستخدمونهن ويعلمونهن الصّنائع، ويتولّى الأستاذون تربية الصّبيان وتعليمهم الخطّ والرّماية (e) ويموت أكثرهم لتغيّر العادات (e)، ويقال لهم:«التّرابي». (e) فمن هؤلاء التّرابي من كبر وانتشا وتميّز في الرّماية والمعارف فصار أميرا من صبيان خاص الخليفة منهم: غلام اللّه وباتكين وشومان وميمون وترّوس القصريان (e) (٢).
(a) بولاق: و. (b) بولاق: بالنصرة والسلامة. (c) بولاق: فكسب. (d) بولاق: مائة. (e) (e-e) زيادة من مسودة المواعظ. (١) بطسة أو بطسة ويقال أحيانا: بطشة. وتجمع على بطسات وبطس. تعني مركبا حربية أو تجارية بلغة الأسبان، وهي سفينة كبيرة الحجم كثيرة القلوع، قد يصل عدد القلوع في البطسة الواحدة إلى أربعين قلعا، وكانت تختص بشحن الغلال والأقوات والمير والإمدادات الحربية. (ابن واصل: مفرج الكروب ٧٧: ٢ هـ ١؛ النخيلي: السفن الإسلامية ١٤ - ١٧) وقد تحمل عددا كبيرا من الرجال كما في النص قد يصل إلى ألفين وخمسمائة شخص. (ابن واصل: مفرج ١١٣: ٢ - ١١٤). (٢) أسماء هؤلاء الأعلام غير واضحة ولم ترد سوى في مسودة المواعظ.