وكانت هذه المنظرة معدّة لنزول الخليفة بها عند تجهيز الأسطول إلى غزو الفرنج، فتحضر رؤساء المراكب بالشّواني (١) وهي مزيّنة بأنواع العدد والسّلاح ويلعبون بها في النّيل، حيث الآن الخليج النّاصريّ تجاه الجامع، وما وراء الخليج من غربيه (٢).
قال ابن المأمون، وذكر تجهيز العساكر في البرّ عند ورود كتب صاحبي دمشق وحلب، في سنة سبع عشرة وخمس مائة، ما يحث على غزو الفرنج ومسيرها مع حسام الملك: وركب الخليفة الآمر بأحكام اللّه وتوجّه إلى الجامع بالمقس، وجلس بالمنظرة في أعلاه، واستدعى مقدّم الأسطول الثاني، وخلع عليه، وانحدرت الأساطيل مشحونة بالرّجال والعدد والآلات والأسلحة، واعتمد ما جرت العادة به من الإنعام عليهم. وعاد الخليفة إلى البستان المعروف بالبعل إلى آخر النّهار، وتوجّه إلى قصره بعد تفرقة جميع الرّسوم والصّدقات والهبات الجاري بها العادة في الرّكوبات (٣).
وقال ابن الطّوير: فإذا تكمّلت النّفقة، وتجهّزت المراكب وتهيّأت للسّفر، ركب الخليفة والوزير إلى ساحل النّيل بالمقس (a). وكان هناك على شاطئ البحر بالجامع منظرة يجلس فيها الخليفة برسم وداعه - يعني الأسطول - ولقائه إذا عاد. فإذا جلس هو والوزير للوداع، جاءت القوّاد بالمراكب من مصر إلى هناك للحركات في البحر بين يديه، وهي مزيّنة بأسلحتها ولبوسها، وفيها المنجنيقات تلعب، فتنحدر وتقلع بالمجاديف كما يفعل في لقاء العدوّ بالبحر الملح.
(a) بولاق والنسخ: ساحل المقس، والمثبت مما يلي ١٩٣: ٢. رمسيس، وحلّ محله الآن جامع الفتح المطل على ميدان رمسيس، وكان النيل في العصر الفاطمي يمر إلى الغرب حيث شارع عماد الدين الآن. (١) شيني ج. شواني (ويقال أيضا شاني أو شينية أو شونة). السفينة الحربية الكبيرة، وكانت تطلق عليها أحيانا أسماء معينة مثل «الغراب» الذي ذكر ابن ممّاتي أنه كان يجدف بمائة وأربعين مجدافا وفيه المقاتلة والجدّافون. (قوانين الدواوين ٣٤٠) والطريدة والجفنة والحرّاقة. كانت مزوّدة بأبراج وقلاع تستخدم لأغراض الدفاع والهجوم، ولعظمها كانت تشتمل على أهراء لخزن الماء العذب. وكان يرمي فيها النار والنّفط على العدو؛ وانظر كذلك: درويش النخيلي: السفن الإسلامية ٨٣ - ٨٥؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٧٤٤. (٢) المقريزي: مسودة المواعظ ٢٩٣، ٣٢٥ - ٣٢٦. (٣) ابن المأمون: أخبار مصر ٦٩؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣٢٦؛ وفيما يلي ٥٦٨.