وعدّى في إحدى العشاريات إلى المقياس، وخلّق العمود بما جرت به عادته (c) من الطّيب (١)، وفرّقت رسوم الإطلاق، وانكفأ إلى دار الذّهب، وأمر بإطلاق ما يخصّ المبيت في المقياس بجميع الشّهود والمتصدّرين وهي العشرات: من الخبز عشرة قناطير، وعشرة خراف شوي، وعشر جامات حلوى، وعشر شمعات.
وأوّل من يحضر المبيت الشّريف الخطيب سيّد المقرّبين وإمام المتصدّرين، وله وللجماعة من الدّراهم التي تفرّق أوفى نصيب.
قال: وخرج الخليفة بزيّ الخلافة ووقارها وناموسها: بالثّياب الطّميم التي تذهل الأبصار، والمنديل بالشّدّة الغريبة (d) التي ينفرد بلباسها في الأعياد والمواسم خاصّة لا على الدّوام - وكانت تسمّى عندهم «شدّة الوقار»(٢) - مرصّعة بغالي الياقوت والزّمرّد والجوهر؛ وعند لباسها (e) يتحقّق لها الاسم (e) ويتجنّب الكلام ويهاب، ولا يكون سلام قريب منه وجليل غير الوزير إلاّ تقبيل الأرض من بعيد من غير دنو، ثم بين يديه من مقدّمي خزائنه من يحمل سيفه ورمحه المرصّعين بأفخر ما يكون، ثم المذابّ التي كلّ منها عمودها ذهب وينفرد بحملها الصّقالبة.
ويمشي بين الصّفّين المرتّبين راجلا على بسط حرير فرشت له، وكلّ من الصّفّين يتناهى في مواصلة تقبيل الأرض، إلى أن وصل إلى مجلس خلافته، وصعد على الكرسي المغشّى بالدّيباج المنصوب برسم ركوبه. وقد صفّت الرّوّاض وأزمّة الإسطبلات خيل المظلّة بعد أن أزالت الأغشية الحرير والشّقق الدّبيقي المذهّبة عن السّروج، وبقيت كما وصفها اللّه تعالى في كتابه (٣)، فقدّم إليه ما وقع اختياره عليه، وأمر بأن تجنّب البقيّة في الموكب بين يديه.
ولمّا علا ما قدّم إليه استفتح مقرئو الحضرة، وتسلّم جميع مقدّم الرّكاب ركابه والرّوّاض الشّكيمة، وزال حكم الأستاذين المستخدمين في الرّكاب وعادت الموالي والأقارب إلى محالّهم،
(a) بولاق: الكوامخ. (b) بولاق: الإنعام. (c) بولاق: عادتهم. (d) بولاق: العربية. (e) (e-e) بولاق: تخفق لها الأعلام. (١) انظر الاحتفال بتخليق المقياس فيما يلي ٤٧٦: ١ - ٤٧٧. (٢) عن شدّة الوقار، انظر فيما تقدم ٤٣٣، ٤٦٨. (٣) يقصد الآية الكريمة ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ اَلصّافِناتُ اَلْجِيادُ﴾ [الآية ٣١ سورة ص].