فلمّا وفّى النّيل ستة عشر ذراعا، ركب الخليفة والوزير إلى الصّناعة بمصر، ورميت العشاريات بين أيديهما، ثم عدّيا في إحداها إلى المقياس وصلّيا، ونزل الفقيه (a) صدقة ابن أبي/ الرّدّاد منزلته وخلّق العمود (١).
وعاد الخليفة على فوره، وركب البحر في العشاري الفضّي والوزير صحبته، والرّهجيّة تخدم برّا وبحرا، والعساكر طول البرّ قبالته إلى أن وصل إلى المقس.
ورتّب الموكب، وقدم العشاري للخليفة (b) الآمر بأحكام اللّه والوزير المأمون، وسار الموكب والرّهجيّة تخدم والصّدقات والرّسوم تفرّق، ودخل من باب القنطرة وقصد باب العيد، واعتمد ما جرت به العادة من تقديم الوزير وترجّله في ركابه إلى أن دخل من باب العيد إلى قصره.
وتقدّم بالخلع على ابن أبي الرّدّاد: بدلة مذهّبة، وثوب دبيقي حريري، وطيلسان مقوّر بياض مذهب، وشقّة سقلاطون، وشقّة عتّابي (c)، وشقّة خزّ، وشقّة دبيقي، وأربعة أكياس دراهم.
ونشرت قدّامه الأعلام الخاصّ الدّبيقي المجاومة بالألوان المختلفة التي لا ترى إلاّ قدّامه لأنّها من جملة تجمّل الخليفة، وأطلق له برسم المبيت من البخور والشّموع والأغنام والحلاوات كثير.
و (d) ذكر من التّجمّلات وترتيب العساكر في الرّكوب ونزول الخليفة بالسّكّرة إلى أن كسر الخليج ما قد اختصرنا ذكره (d)
قال: وهيّئت المقصورة في منظرة السّكّرة برسم راحة الخليفة وتغيير ثيابه (٢)، وقد وقعت المبالغة في تعليقها وفرشها وتعبئتها، وقدّم بين يديه الصّواني الذّهب التي وقع التناهي فيها من همم الجهات، من أشكال الصّور الآدميّة والوحشيّة من الفيلة والزّرافات ونحوها، المعمولة من الذّهب والفضّة والعنبر والمرسين المشدود والمظفور عليها، المكلّل باللّؤلؤ والياقوت والزّبرجد، ومن (e) الصّور الوحشيّة ما يشبه الفيلة جميعها عنبر معجون كخلقة الفيل، وناباه فضّة وعيناه جوهرتان كبيرتان في كلّ منهما مسمار ذهب مجرى بسواد (f)، وعليه سرير منجور من عود بمتكآت فضّة وذهب، وفيه (g) عدّة من الرجال ركبان، وعليهم اللّبوس تشبه الزّرديات، وعلى
(a) بولاق: الثقة. (b) بولاق: بالخليفة. (c) بولاق: تحتاني. (d) (d-d) هذه العبارة ساقطة من بولاق. (e) الواو ساقطة من بولاق. (f) بولاق مجرى سواده. (g) بولاق: عليه. (١) هو ما يعرف بركوب تخليق المقياس (انظر فيما يلي ٥٥٢ - ٥٥٥). (٢) فيما تقدم ٥٣٧.