(١) كانت للخلفاء الفاطميين ممرّات من تحت الأرض معقودة عقودا محكمة ليسيروا فيها ركبانا من القصر إلى الميدان والبستان الكافوري ومنظرة اللّؤلؤة وغيرها. فلمّا زالت الدّولة الفاطمية هجرت المسارب فتركت. وكان من جملة ما أحدث في الدولة التركية من جهات المكوس التي استجدّها على النّاس الوزير الفائزي (٢) في سلطنة الملك المعزّ أبيك التّركماني أوّل ملك من ملوك التّرك بمصر، ضرائب مقرّرة في ديوان السّلطان على كسح المراحيض تعرف بمقرّر المشاعليّة (٣).
فلمّا راك الملك النّاصر محمد بن قلاوون الديار المصرية في سنة خمس عشرة وسبع مائة، أبطل عدّة مكوس منها «مكس الأسربة»(٤): وقد سلّطت مراحيض المارستان المنصوري والجامع الحاكمي وغيره من المسامط والمسالح وغيرها على الأسربة التي كانت ممرّا للخلفاء وصارت تخرج من الأسرية إلى الخليج الكبير الذي تسمّيه العامّة «الخليج الحاكمي».
قال ابن الطّوير عن الخلفاء الفاطميين: وكان من قضاياهم أنّه لا سبيل أن يركب أحد في القصر سوى الخليفة ولا ينصرف ليلا ولا نهارا إلاّ كذلك، وله في الليل شدّادات من النّسوة يخدمن البغلات والحمير الإناث للجواز في السّراديب القصيرة الأقباء، والطّلوع على الزّلاّقات إلى أعالي المناظر والمساكن (٥).
وقال ابن عبد الظّاهر: وكان للخلفاء تحت الأرض مكان يركبون من القصر إلى الميدان منه، ولمّا بنيت المدارس الصّالحية رأيته (a)، وهو مكان واسع كبير وجعل مصرفا لما يخرج من المياه وغيرها من المدارس (٦).
(a) عند ابن عبد الظاهر: رأيت أنا هذا المكان. op.cit.، pp. ٢١٥ - ١٧. (١) وردت النصوص التالية حتى نهاية ص ٤٩٨ في مسودة المواعظ والاعتبار ٣٢٨ - ٣٣٠ تحت عنوان «أسربة القاهرة» وهي غير موجودة في الإصدار الأخير للمواعظ والاعتبار. وقد رأيت أن أثبتها هنا لاتصالها بموضوع تحويل الأقبية والسّراديب التي كانت تربط القصر الفاطمي الشرقي بالبستان الكافوري، إلى أسربة للقاهرة. (٢) الوزير الصاحب الأسعد شرف الدين أبو سعيد هبة اللّه ابن صاعد الفائزي المتوفى سنة ٦٥٥ هـ. (المقريزي: السلوك ٤٠٦: ١ - ٤٠٧، العيني: عقد الجمان - عصر سلاطين المماليك ٦٨: ١، ١٦٣، أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٥٨: ٧). (٣) مقرّر المشاعلية: هو ما يجب لهم على تنظيف السّرابات التي في البيوت والحمامات والمسامط وغيرها مما يلي مجراها (فيما يلي بعد أسطر). (٤) فيما تقدم ٢٤١: ١. (٥) ابن الطوير: نزهة المقلتين ٢١٠، وفيما تقدم ٢٩٢ - ٢٩٣. (٦) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٦٢، المقريزي: مسودة المواعظ ٣٥٨.