شماله، ويليهم إخوته، وبعدهم أولاده. ودخل إلى الإيوان وجلس على المرتبة المختصّة به، وعن يمينه جميع الأجلاّء، والمميّزون وقوف أمامه، ومن انحطّ عنهم من باب الملك إلى الإيوان قيام.
وخرج (a) خاصّة الدّولة ريحان إلى المصلّى بالفرش الخاصّ وآلات الصّلاة، وعلّق المحراب بالشّروب المذهّبة، وفرش فيه ثلاث سجّادات متراكبة، وبأعلاها السّجادة اللطيفة التي كانت عندهم معظّمة - وهي قطعة من حصير ذكر أنّها كانت من جملة حصير لجعفر بن محمد الصّادق ﵉ يصلّي عليهما - وفرش الأرض جميعها بالحصر المحاريب. ثم علّق على جانبي المنبر، وفرش جميع درجه، وجعل أعلاه المخادّ التي يجلس عليها الخليفة، وعلّق اللّواءان عليه، وقعد تحت القبّة خاصّة الدّولة ريحان والقاضي، وأطلق البخور، ولم يفتح من أبوابه إلاّ باب واحد وهو الذي يدخل منه الخليفة. ويقعد الدّاعي في الدّهليز ونقباء المؤمنين بين يديه، وكذلك الأمراء والأشراف والشّيوخ والشّهود ومن سواهم من أرباب الحرف، ولا يمكّن من الدخول إلاّ من يعرفه الدّاعي ويكون في ضمانه.
واستفتحت الصّلاة، وأقبل الخليفة من قصوره بغاية زيّه، والعلم الجوهر في منديله، وقضيب الملك بيده، وبنو عمّه وإخوته وأستاذوه في ركابه، وتلقّاه المقرئون عند وصوله والخواصّ، واستدعى بالمأمون، فتقدّم بمفرده وقبّل الأرض، وأخذ السّيف والرّمح من مقدّمي خزائن الكسوة، والرّهجيّة تخدم، وحمل لواء الحمد بين يديه إلى أن خرج من باب العيد، فوجد المظلّة قد نشرت عن يمينه، والذي بيده الدّعو في ترتيب الحجبة لمن شرف بها لا يتعدّى أحد حكمه.
وسار الموكب (b) بالجنائب الخاصّ/ وخيل التّخافيف ومصفّات العساكر، والطّوائف جميعها بزيّها وراياتها وراء الموكب إلى أن وصل إلى قريب المصلّى، والعمّاريات والزّرافات. وقد شدّ على الفيلة بالأسرة مملوءة رجالا مشبّكة بالسّلاح لا يتبيّن منهم إلاّ الأحداق، وبأيديهم السّيوف المجرّدة والدّرق الحديد الصّيني؛ والعساكر قد اجتمعت وترادفت صفوفا من الجانبين إلى باب المصلّى، والنّظّارة قد ملأت الفضاء لمشاهدة ما لم يألفوه (c)، والموكب سائر بهم. وقد أحاط بالخليفة والوزير صبيان الخاصّ، وبعدهم الأجناد بالدّروع المسبلة، والزّرديات بالمغافر ملثّمة، والتّروك (d) الحديد بالصّماصم والدّبابيس.