للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ركب الخليفة، واستدعى الوزير المأمون، ثم خرج من باب الذّهب وقد نشرت مظلّته، وخدمت الرّهجيّة، ورتّب الموكب والجنائب ومصفّات العساكر عن يمينه وشماله، وجميع تجّار البلدين - من الجوهريين والصّيارف والصّاغة والبزّازين وغيرهم - قد زيّنوا الطّريق بما تقتضيه تجارة كلّ منهم ومعاشه لطلب البركة بنظر الخليفة. وخرج من باب الفتوح، والعساكر فارسها وراجلها بتجمّلها وزيّها، وأبواب حارات العبيد معلّقة بالستور، ودخل من باب النّصر، والصّدقات تعمّ المساكين، والرّسوم تفرّق على المستقرّين، إلى أن دخل من باب الذّهب، فلقيه المقرئون بالقرآن الكريم في طول الدّهاليز، إلى أن دخل خزانة الكسوة الخاصّ وغيّر ثياب الموكب بغيرها، وتوجّه إلى تربة آبائه للترحيم على عادته (١)، وبعد ذلك إلى ما رآه من قصوره على سبيل الرّاحة.

وعبّئت الأسمطة - وجرى الحال فيها وفي جلوس الخليفة ومن جرت عادته وتهيئة قصور الخلافة وتفرقة الرّسوم - على ما هو مستقرّ. وتوجّه الأجلّ المأمون إلى داره، فوجد الحال في الأسمطة على ما جرت به العادة، والتّوسعة فيها أكثر ممّا تقدّمها، وكذلك الهناء في صبيحة الموسم بالدّار المأمونية والقصور، وحضر من جرت العادة بحضوره للهناء، وبعدهم الشّعراء على طبقاتهم، وعادت الأمور في أيام السّلام والرّكوبات وترتيبها على المعهود.

وأحضر كلّ من المستخدمين في الدّواوين ما يتعلّق بديوانه من التّذاكر (٢) والمطالعات بما (a) تحتاج إليه الدّولة في طول السّنة، وينعم به ويتصدّق، ويحمل إلى الحرمين الشّريفين من كلّ صنف على ما فصّل في التّذاكر على يد المندوبين، ويحمل إلى الثّغور ويخزّن من سائر الأصناف ممّا يستعمل ويباع في الثّغور والبلاد، والاستيمار (٣)، وجريدة الأبواب، وتذكرة الطّراز والتّوقيع عليها (٤).

وقال ابن الطّوير (٥): فإذا كان العشر الأخر من ذي الحجّة في كلّ سنة، انتصب كلّ من المستخدمين بالأماكن لإخراج آلات الموكب من الأسلحة وغيرها، فيخرج من خزائن الأسلحة ما


(a) بولاق: مما.
(١) انظر فيما تقدم ٣٥٢؛ وفيما يلي ٤٨٧.
(٢) التذكرة ج. تذاكر. هي الورقة التي تضمّن جمل الأموال التي يسافر بها الرسول ليعود إليها إن أغفل شيئا منها أو نسيه، أو تكون حجة فيما يورده ويصدره (القلقشندي: صبح ١٣٣: ١ - ١٣٦، ٣٧: ١٣).
(٣) الاستيمار (انظر فيما تقدم ٣٢٣).
(٤) ابن المأمون: أخبار مصر ٥٨ - ٥٩.
(٥) هذا الوصف ممّا انفرد به ابن الطّوير، فكل ما تعرفه