وقال ابن الطّوير: وكوتب الأفضل بن أمير الجيوش من عسقلان باجتماع الفرنج، فاهتمّ للتوجّه إليها ولم (a) يبق ممكنا من مال وسلاح (b) ورجال وخيل (b)، واستناب أخاه المظفّر أبا محمد جعفر بن أمير الجيوش بدر بين يدي الخليفة مكانه، وقصد استنقاذ السّاحل من يد الفرنج، فوصل إلى عسقلان وزحف عليها بذلك العسكر، فخذل من جهة عسكره - وهي نوبة النّصّة (١) - وعلم أنّ السّبب في ذلك من جنده، ولمّا غلب حرّق جميع ما كان معه من الآلات.
وكان عند الفرنج شاعر منتجع إليهم، فقال يخاطب صنجل [Saint Angilles] ملك الفرنج:
[متقارب]
نصرت بسيفك دين المسيح … فللّه درّك من صنجل
وما سمع النّاس فيما رووه … بأقبح من كسرة الأفضل
فتوصّل الأفضل إلى ذبح هذا الشّاعر، ولم ينتفع بعد هذه النّوبة أحد من الأجناد بالأفضل، وحظر عليهم النّعوت، ولم يسمع لأحد منهم كلمة. وأنشأ سبع حجر، واختار من أولاد الأجناد ثلاثة آلاف راجل وقسمهم في الحجر، وجعل لكلّ مائة زماما ونقيبا، وزمّ الكلّ بأمير يقال له «الموفّق»، وأطلق لكلّ منهم ما يحتاج إليه من خيل وسلاح وغيره، وعني بهؤلاء الأجناد. فكان إذا دهمه أمر مهم، جهّزهم إليه مع الزّمام الأكبر (c) (٢).
وقال ابن المأمون: وكان من جملة الحجريّة الذين يحضرون السّماط رجل يعرف بابن زحل، وكان يأكل خروفا كبيرا مشويّا ويستوفيه إلى آخره، ثم يقدّم له صحن كبير من القصور المعمولة بالسكر، وجميع صنوف الحيوانات على اختلاف أجناسها ما لم يعمل قطّ مثله من الأطعمة، فيأكل معظمه. وكان يقعد في طرف المدوّرة حتى يكون بالقرب من نظر الخليفة لا لميزته، وكان من الأجناد وأسر في أيام الأفضل، وقيّده الفرنجيّ الذي أسره وعذّبه، وطالت مدّته في الأسر وكان فقيرا (٣).
(a) بولاق: فلم. (b) (b-b) بولاق: خيل ورجال. (c) المسودة: الزمام الكبير. (١) النّصّة أو البصّة. لم يرد هذا الاسم في المصادر الأخرى سوى فيما ذكره ابن ظافر: أخبار ٨٢. وقد جرت هذه الواقعة لتسع ليال بقين من رمضان سنة ٤٩٢ هـ. (٢) ابن الطوير: نزهة المقلتين ٣ - ٤، ٥٧؛ ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك - خ ١٦٣: ١ و- ١٦٣ ظ المقريزي: المسودة ٢٦٧ - ٢٦٨؛ وانظر أيمن فؤاد سيد: الدولة الفاطمية في مصر ٦٨٣ - ٦٨٥. (٣) فيما تقدّم ٢٩٧ - ٢٩٨.