المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، قبالة دار فخر الدّين جهاركس والفندق المستجدّ.
فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأوّل، تقدّم بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارا من السّكّر اليابس حلواء يابسة من طرائفها، وتعبّأ في ثلاث مائة صينية من النّحاس - وهو مولد النبيّ ﷺ فتفرّق تلك الصّواني في أرباب الرّسوم من أرباب الرّتب، وكلّ صينية في قوّارة، من أوّل النّهار إلى ظهره (١). فأوّل أرباب الرّسوم قاضي القضاة، ثم داعي الدّعاة، ويدخل في ذلك القرّاء بالحضرة، والخطباء والمتصدّرون بالجوامع بالقاهرة وقومة المشاهد. ولا يخرج ذلك عمّا يتعلّق بهذا الجانب بدعو يخرج من دفتر المجلس كما قدّمناه (٢).
فإذا صلّى الظّهر ركب قاضي القضاة والشّهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصّواني، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة. ثم يستدعى قاضي القضاة ومن معه، فإن كانت الدّعوة مضافة إليه وإلاّ حضر الدّاعي معه بنقباء الرّسائل، فيركبون ويسيرون إلى أن يصلوا إلى آخر المضيق من السّيوفيين، قبل الابتداء بسلوك (a) بين القصرين، فيقفوا هناك. وقد مسكت (b) الطريق على السالكين من الرّكن المخلّق ومن سويقة أمير الجيوش عند الحوض هناك، وكنست الطريق فيما بين ذلك ورشّت بالماء رشّا خفيفا، وفرش تحت المنظرة المذكورة بالرّمل الأصفر.
ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، ووالي القاهرة ماض وعائد يحفظ (c) ذلك الموضع (d) من الازدحام على نظر الخليفة. فيكون بروز صاحب الباب من الرّكن المخلّق هو وقت استدعاء القاضي ومن معه من مكان وقوفهم، فيقربون من المنظرة، ويترجّلون قبل الوصول إليها يخطوات، فيجتمعون تحت المنظرة دون السّاعة الزّمانية بسمت وتسوّف لانتظار الخليفة. فتفتح إحدى الطّاقات فيظهر منها وجهه وما عليه من المنديل، وعلى رأسه عدّة من الأستاذين المحنّكين وغيرهم من الخواصّ منهم. ويفتح بعض الأستاذين طاقة، ويخرج منها رأسه ويده اليمنى في كمّه، ويشير به قائلا:«أمير المؤمنين يردّ عليكم السّلام»، فيسلّم بقاضي القضاة أوّلا بنعوته، وبصاحب الباب بعده كذلك، وبالجماعة الباقية جملة جملة من غير تعيين أحد.
(a) بولاق: بالسلوك. (b) بولاق وليدن: سلكت. (c) بولاق: لحفظ. (d) بولاق وليدن: اليوم. (١) فيما تقدم ٤٠١. (٢) فيما تقدم ٣٢٣.