إلى أن كان زمن الغلاء في أيّام الخليفة المستنصر باللّه، فلمّا ضاق بالنّاس الأمر، أذن لهم أن يبردوا منها بمبارد، فاتّخذ النّاس مبارد حادّة، وغرّهم الطّمع حتى ذهبوا بأكثرها، فأمر بحمل الباقي إلى القصر فلم تر بعد ذلك.
وقال ابن ميسّر: إنّ المعزّ لمّا قدم إلى القاهرة كان معه مائة جمل عليها الطّواحين من الذّهب. وقال غيره: كانت خمس مائة جمل على كلّ جمل ثلاثة أرحية ذهبا، وإنّه عمل عضادتي الباب من تلك الأرحية، واحدة فوق أخرى، فسمّي باب الذّهب.
جلوس الخليفة في المواليد بالمنظرة علوّ باب الذّهب - قال ابن المأمون في أخبار سنة ستّ عشرة وخمس مائة: وفي الثاني عشر من المحرّم كان المولد الآمريّ، واتّفق كونه في هذا الشهر يوم الخميس، وكان قد تقرّر أن يعمل أربعون صينية خشكنانج وحلوى وكعك، وأطلق برسم المشاهد المحتوية على الضّرائح الشّريفة لكلّ مشهد سكّر وعسل ولوز ودقيق وشيرج. وتقدّم بأن يعمل خمس مائة رطل حلوى، وتفرّق على المتصدّرين والقرّاء والفقراء: للمتصدّرين ومن معهم في صحون، وللفقراء على أرغفة السّميذ.
ثم حضر في الليلة المذكورة القاضي والدّاعي والشّهود، وجميع المتصدّرين وقرّاء الحضرة، وفتحت الطّاقات التي قبليّ باب الذّهب، وجلس الخليفة وسلّموا عليه. ثم خرج متولّي بيت المال بصندوق مختوم، ضمنه عينا: مائة دينار وألف وثمان مائة وعشرون درهما برسم أهل القرافة وساكنيها وغيرهم. وفرّقت الصّواني بعد ما حمل منها للخاصّ، وزمام القصر، ومتولّي الدّفتر خاصّة، وإلى دار الوزارة، والأجلاّء الأخوة والأولاد، وكاتب الدّست، ومتولّي حجبة الباب، والقاضي، والدّاعي، ومفتي الدّولة، ومتولّي دار العلم، والمقرئين الخاصّ، وأئمّة الجوامع بالقاهرة ومصر وبقية الأشراف (١).
قال: وخرج الأمر - يعني في سنة سبع عشرة وخمس مائة - بإطلاق ما يخصّ المولد الآمري برسم المشاهد الشّريفة (٢) من سكر وعسل وشيرج ودقيق، وما يصنع ممّا يفرّق على المساكين بالجامعين الأزهر بالقاهرة والعتيق بمصر وبالقرافة خمسة قناطير حلوى وألف رطل دقيق، وما يعمل بدار الفطرة ويحمل للأعيان والمستخدمين من بعد القصور والدّار المأمونية أربعين صينية خشكنانج.