الكوفة، فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تزول إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد، فلعلّ اللّه أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك. فتياسر عن طريق العذيب (١) والقادسيّة، والحرّ يساره.
فلمّا كان يوم الجمعة الثالث من المحرّم سنة إحدى وستين، قدم عمر (a) بن سعد بن أبي وقّاص من الكوفة في أربعة آلاف، وبعث إلى الحسين رسولا يسأله: ما الذي جاء به؟ فقال: كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم عليهم، فإذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم.
فكتب عمر (a) إلى ابن زياد يعرّفه ذلك، فكتب إليه أن يعرض على الحسين بيعة يزيد، فإن فعل رأينا فيه رأينا، وإلاّ تمنعه ومن معه الماء.
فأرسل عمر (a) بن سعد خمس مائة فارس، فنزلوا على الشّريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتله بثلاثة أيام، ونادى مناد: يا حسين ألا تنظر إلى (b) الماء، لا ترون (c) منه قطرة حتى تموت عطشا!
ثم التقى الحسين بعمر (d) بن سعد مرارا؛ فكتب عمر (a) بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:
«أمّا بعد، فإنّ اللّه قد أطفأ الثّائرة وجمع الكلمة. وقد أعطاني الحسين أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من الثّغور شئنا (e)، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، وفي هذا لكم رضى وللأمّة صلاح».
فقال ابن زياد لشمر بن ذي الجوشن: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر (a)، فليعرض على الحسين وأصحابه النّزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم، وإن أبوا فليقاتلهم. فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن أبى فأنت الأمير عليه وعلى النّاس، واضرب عنقه وابعث إليّ برأسه؛ وكتب إلى عمر (a) بن سعد:
«أمّا بعد، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه ولا لتمنّيه ولا لتطاوله ولا لتقعد له عندي شافعا. انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم
(a) بولاق: عمرو. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: لا ترى. (d) بولاق: بعمرو. (e) بولاق: شاء. (١) العذيب. ماء بين القادسية والمغثية بينه وبين القادسية أربعة أميال (ياقوت: معجم البلدان ٩٢: ٤).