للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب إلى أهل الكوفة يعرّفهم بقدومه مع قيس بن مسهر، فظفر به الحصين، وبعث به إلى ابن زياد فقتله.

وأقبل الحسين يسير نحو الكوفة، فأتاه خبر قتل مسلم بن عقيل وخبر قتل أخيه من الرّضاعة، فقام حتى أعلم النّاس بذلك، وقال: قد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ أن ينصرف فلينصرف، فليس عليه ذمام منّا، فتفرّقوا حتّى بقي في أصحابه الذين/ جاءوا معه من مكّة، وسار فأدركته الخيل، وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التّميمي، ونزل الحسين فوقفوا تجاهه وذلك في نحر الظهيرة، فسقى الحسين الخيل.

وحضرت صلاة الظّهر فأذّن مؤذّنه، وخرج فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس إنّها معذرة إلى اللّه وإليكم، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم: أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الهدى. وقد جئتكم فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه، فسكتوا؛ وقال للمؤذّن: أقم، فأقام؛ وقال الحسين للحرّ: أتريد أن تصلّي أنت بأصحابك؟ قال: بل صلّ أنت ونصلّي بصلاتك؛ فصلّى بهم، ودخل فاجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحرّ إلى مكانه.

ثم صلّى بهم العصر، واستقبلهم فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال: يا أيّها النّاس إنّكم إن تتّقوا اللّه وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى للّه؛ ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، السّائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم ورسلكم (a)، انصرفت عنكم. فقال الحرّ: إنّا واللّه ما ندري ما هذه الكتب والرّسل التي تذكر؛ فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم؛ فقال الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد اللّه بن زياد. فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. ثم أمر أصحابه لينصرفوا فركبوا، فمنعهم الحرّ من ذلك، فقال له الحسين: ثكلتك أمّك، ما تريد؟ فقال له: واللّه لو كان غيرك من العرب يقولها ما تركت ذكر أمّه بالثّكل كائنا من كان، واللّه ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه؛ فقال له الحسين: ما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى ابن زياد.

وتزايد (b) الكلام، فقال الحرّ: إنّي لم أومر بقتالك، إنّما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك (c)


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق وليدن: وتراد.
(c) بولاق وليدن: أدخلك.