وأمّا «مرتبة» هذا الكتاب، فإنّه من جملة أحد قسمي العلم اللّذين هما: العقلي والنّقلي، فينبغي أن يتفرّغ لمطالعته ويتدبّر (a) مواعظه بعد إتقان ما تجب معرفته من العلوم النّقلية والعلوم (b) العقلية. فإنّه يحصل بتدبّره، لمن أزال اللّه أكنّة قلبه وغشاوة بصره، نتيجة العلم بما صار إليه أبناء جنسه، بعد التّخوّل في الأموال والجنود، من الفناء والبيود. فإذن مرتبته بعد معرفة أقسام العلوم العقلية والنّقلية، ليعرف منه كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبل.
وأمّا «واضع» هذا الكتاب ومرتّبه، فاسمه أحمد بن عليّ بن عبد القادر بن محمد، ويعرف بابن (b) المقريزي (١)، ولد بالقاهرة المعزّيّة من ديار مصر بعد سنة ستين وسبع مائة من سني الهجرة المحمّديّة، ورتبته من العلم (c) ما يدلّ عليه هذا الكتاب وغيره ممّا ألّفه وجمعه.
وأمّا «من أيّ علم» هذا الكتاب، فإنّه من علم الأخبار، وبها عرفت شرائع اللّه تعالى التي شرعها، وحفظت سنن أنبياء الله (b) ورسله، ودوّن هديهم (d) الذي يقتدي به من وفّقه اللّه تعالى (e) إلى عبادته، وهداه إلى طاعته، وحفظه من مخالفته. وبها نقلت أخبار من مضى من الملوك والفراعنة، وكيف حلّ بهم سخط اللّه تعالى لمّا أتوا ما نهوا عنه. وبها اقتدر الخليقة من أبناء البشر على معرفة ما دوّنوه من العلوم والصّنائع، وتأتّى لهم علم ما غاب عنهم من الأقطار الشّاسعة والأمصار المتنائية (f)، وغير ذلك ممّا لا ينكر فضله. ولكلّ أمّة من أمم العرب والعجم، على تباين آرائهم واختلاف عقائدهم، أخبار معروفة عندهم مشهورة ذائعة بينهم. ولكلّ مصر من الأمصار المعمورة حوادث قد مرّت به، يعرفها علماء ذلك المصر في كلّ عصر. ولو استقصيت ما صنّف علماء العرب والعجم في ذلك لتجاوز حدّ الكثرة، وعجزت القدرة البشرية (g) عن حصره.
وأمّا «أجزاء» هذا الكتاب فإنّها سبعة:
(a) بولاق: تدبر. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: العلوم. (d) بولاق: هداهم. (e) ساقطة من الأصل. (f) بولاق: النائية. (g) ساقطة من بولاق. (١) واضح مما جاء في نسخة الأصل - وهي نقلا عن خط المقريزي - أن المقريزي لقب لجد مؤلّفنا أحمد بن عليّ المقريزي، يؤكد ذلك ما كتبه بخطه علي ظهرية الجزء الأول من كتاب «السلوك لمعرفة دول الملوك» المحفوظة في مكتبة يني جامع باستانبول، فبعد أن ذكر نسبه قال: الشهير جده بالمقريزي.