للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تناول أيضا إنشاء القاهرة المعزّيّة، فيكون بذلك أوّل مؤرّخ لخططها (١).

وفي زمن خلافة المستنصر باللّه زار مصر بين سنتي ٤٣٩ - ٤٤٢ هـ/ ١٠٤٨ - ١٠٥٠ م الرّحّالة الفارسي الشّهير ناصر خسرو الذي وصف في رحلته المعروفة ب «سفرنامة» (٢) المدن المصرية التي مرّ بها ابتداء من المدخل الشّمالي لمصر وحتى أسوان وعيذاب في الجنوب وصفا دقيقا، ويحوي وصف ناصر خسرو للقاهرة والفسطاط الكثير من التّفصيلات عن أسماء حارات القاهرة وأبوابها والقصر الفاطمي، كما أنّ وصفه للمسجد الجامع في الفسطاط وأسواقها والاحتفالات التي كانت تتمّ في هذه الأيام وصف غني بالتفاصيل (٣). وهذه الرّحلة - التي دوّنها مؤلّفها بالفارسية - لم يعرفها المؤرّخون المصريون المتأخّرون.

وإلى هذه الفترة يرجع أهمّ مصدر رجع إليه المؤلّفون المتأخّرون في تسجيل خطط الفسطاط الأولى حيث كتب أبو عبد اللّه محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي المتوفى سنة ٤٥٤ هـ/ ١٠٦٢ م (٤) كتابه «المختار في ذكر الخطط والآثار». وقد كتب القضاعيّ كتابه قبل سنيّ الشّدّة المستنصرية التي غيّرت الكثير من معالم مصر الفسطاط، لذلك يقول المقريزي إنّه قد «دثر أكثر ما ذكراه - أى الكندي والقضاعي - ولم يبق إلاّ يلمع أو موضع بلقع ممّا حلّ بمصر من سنيّ الشّدّة المستنصرية من سنة سبع وخمسين إلى سنة أربع وستين وأربع مائة من الغلاء والوباء، فمات أهلها وخربت ديارها وتغيّرت أحوالها، واستولى الخراب على عمل فوق من الطّرفين بجانبي الفسطاط الغربي والشّرقي؛ فأمّا الجانب الغربي فمن قنطرة بني وائل حيث الورّاقات الآن قريبا من باب القنطرة خارج مدينة مصر إلى الشّرف المعروف الآن بالرّصد وأنت مارّ إلى القرافة الكبرى، وأمّا الشّرقي فمن طرف بركة الحبش التي تلي القرافة إلى نحو جامع أحمد بن طولون» (٥).


(١) محمد عبد اللّه عنان: مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية ٣٥.
(٢) أول من ترجم هذه الرحلة المستشرق الفرنسي شيفر نقلها إلى الفرنسية سنة ١٨٨١ Schefer، Ch.، Relation du voyage de Nassiri Khosrau، Paris ١٨٨١.، ثم نقلها إلى العربية الدكتور يحيى الخشاب ونشرت ثلاث مرات الأولى في القاهرة (لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٩٤٥) والثانية في بيروت (دار الكتاب الجديد ١٩٧٢) ثم في القاهرة سنة ١٩٩٣.
(٣) انظر أيمن فؤاد سيد: «دراسة نقدية لمصادر تاريخ الفاطميين في مصر»، دراسات عربية وإسلامية مهداة إلى محمود محمد شاكر، القاهرة ١٩٨٢، ١٤٥ - ١٤٦.
(٤) راجع ترجمته عند، ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢١٢: ٤ - ٣١٣؛ السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ١٥٠: ٤؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ١١٦: ٣؛ عنان: مصر الإسلامية ٣٧ - ٣٩.
(٥) المقريزي: المواعظ والاعتبار فيما يلي ٩.