ووصلت كتب من خواصّ الدّولة تتضمّن أنّ القوم قويت شوكتهم، واشتدّت في البلاد طمعتهم، وأنّهم سيّروا الآن ثلاثة آلاف برسم النّجوى وبرسم المؤمنين الذين تنزل الرّسل عندهم، ويختفون في محلّهم. فتقدّم الوزير بالفحص عنهم، والاحتراز التّام على الخليفة في ركوبه ومتنزّهاته، وحفظ الدّور والأسواق. ولم يزل البحث في طلبهم إلى أن وجدوا فاعترفوا بأنّ خمسة منهم هم الرّسل الواصلون بالمال فصلبوا.
وأمّا المال، وهو ألفا دينار، فإنّ الخليفة أبى قبوله، وأمر أن ينفق في السّودان عبيد الشّراء.
وأحضر من بيت المال نظير المبلغ، وتقدّم بأن يصاغ به قنديلان من ذهب وقنديلان/ من فضّة، وأن يحمل منها قنديل ذهب وقنديل فضّة إلى مشهد الحسين بثغر عسقلان (١)، وقنديل إلى التّربة المقدّسة تربة الأئمّة بالقصر.
وأمر الوزير المأمون بإطلاق ألفي دينار من ماله، وتقدّم بأن يصاغ بها قنديل ذهب وسلسلة فضّة برسم المشهد العسقلاني، وأنّ يصاغ على المصحف الذي بخطّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ﵁ (a) - بالجامع العتيق بمصر من فوق الفضّة ذهب.
وأطلق حاصل الصّناديق التي تشتمل على مال النّجاوى برسم الصّدقات عشرة آلاف درهم تفرّق في الجوامع الثلاثة: الأزهر بالقاهرة، والعتيق بمصر، وجامع القرافة، وعلى فقراء المؤمنين على أبواب القصور.
وأطلق من الأهراء ألفي أردبّ قمحا، وتصدّق على عدّة من الجهات بجملة كثيرة، واشتريت عدّة جوار من الحجر، وكتب عتقهن للوقت، وأطلق سراحهنّ (٢).
وقال في كتاب «الذّخائر»: إنّ الأتراك طلبوا من المستنصر نفقة في أيام الشّدّة فماطلهم، وأنّهم هجموا على التّربة المدفون فيها أجداده فأخذوا ما فيها من قناديل الذّهب. وكانت قيمة ذلك مع ما اجتمع إليه من الآلات الموجودة هناك - مثل المداخن والمجامر وحليّ المحاريب وغير ذلك - خمسين ألف دينار (٣).
(a) ساقطة من بولاق. (١) انظر عن هذا المشهد فيما يلي ٤٠٦ - ٤٠٨. (٢) ابن المأمون: أخبار مصر ٤٩ - ٥٠. (٣) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢٩٢: ٢، والنّصّ غير موجود فيما وصل إلينا من الذخائر.