للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير أنّ الناس لمّا عدلوا عن الأئمة، ونظروا في الأمور بعقولهم، واتّبعوا ما حسن في رأيهم، وقلّدوا سفلتهم (a)، وأطاعوا سادتهم وكبراءهم أتباع الملوك (b)، وطلبا للدنيا التي هي أيدي متّبعي الإثم وأجناد الظّلمة وأعوان الفسقة، الذين يحبّون العاجلة، ويجتهدون في طلب الرّياسة على الضّعفاء/، ومكايدة رسول اللّه في أمّته، وتغيير كتاب اللّه ﷿، وتبديل سنّة رسول اللّه ، ومخالفة دعوته، وإفساد شريعته، وسلوك غير طريقته، ومعاندة الخلفاء الأئمة من بعده تحيّر من قبل ذلك، وصار النّاس إلى أنواع الضّلالات.

فإنّ دين محمد ما جاء بالتحلّي، ولا بأماني الرجال، ولا شهوات النّاس، ولا بما خفّ على الألسنة وعرفته دهماء العامّة. ولكنه صعب مستصعب، وأمر مستقبل، وعلم خفيّ غامض ستره اللّه في حجبه، وعظم شأنه عن ابتذال أسراره. فهو سرّ اللّه المكتوم، وأمره المستور الذي لا يطيق حمله، ولا ينهض بأعبائه وثقله إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للتقوى (c)؛ فإذا ارتبط المدعو على الداعي وأنس له، نقله إلى غير ذلك.

فمن مسائلهم: ما معنى رمي الجمار والعدو بين الصّفا والمروة، ولم كانت الحائض تقضي الصّوم ولا تقضي الصّلاة، وما بال الجنب يغتسل من ماء دافق يسير ولا يغتسل من البول النّجس الكثير القدر، وما بال اللّه خلق الدّنيا في ستة أيام، أعجز عن خلقها في ساعة واحدة؟ وما معنى الصّراط المضروب في القرآن مثلا، والكاتبين الحافظين، وما لنا لا نراهما، أخاف ربّنا أن نكابره ونجاحده حتى أذكى (d) العيون، وأقام علينا الشّهود، وقيّد ذلك في القرطاس بالكتابة؟

وما تبديل الأرض غير الأرض، وما عذاب جهنّم، وكيف يصحّ تبديل جلد مذنب بجلد لم يذنب حتى يعذّب، وما معنى ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ [الآية ١٧ سورة الحاقة]، وما إبليس، وما الشّياطين، وما وصفوا به وأين مستقرّهم، وما مقدار قدرهم؟ وما يأجوج ومأجوج وهاروت وماروت، وأين مستقرّهم؟ وما سبعة أبواب النّار؟ وما ثمانية أبواب الجنّة؟ وما شجرة الزّقّوم النابتة في الجحيم؟ وما دابّة الأرض ورؤوس الشّياطين والشّجرة الملعونة في القرآن، والتّين والزّيتون؟

وما الخنّس الكنّس، وما معنى ﴿الم﴾ و ﴿المص﴾ [الآية ١ سورة البقرة وسورة الأعراف]، وما معنى ﴿كهيعص﴾ [الآية ١ سورة مريم]؛ و ﴿حم * * عسق﴾ [الآيتان ١، ٢ سورة الشورى]؟ ولم جعلت


(a) المسودة: وسمعوه من سفلتهم.
(b) بولاق: اتباعا للملوك.
(c) مسودة المواعظ: للإيمان.
(d) بولاق: أدلى.