وكان الفقهاء منهم يتّفقون على دفتر يقال له «مجلس الحكمة»(١)، في كلّ يوم اثنين وخميس، ويحضر مبيّضا إلى داعي الدّعاة فينفذه إليهم، ويأخذه منهم ويدخل به إلى الخليفة في هذين اليومين المذكورين، فيتلوه عليه إن أمكن، ويأخذ علامته (٢) بظاهره، ويجلس بالقصر لتلاوته على المؤمنين في مكانين: للرجال على كرسي الدّعوة بالإيوان الكبير، وللنّساء بمجلس الدّاعي وكان من أعظم المباني وأوسعها (a).
فإذا فرغ من تلاوته على المؤمنين والمؤمنات حضروا إليه لتقبيل يديه، فيمسح على رؤوسهم بمكان العلامة - أعني خطّ الخليفة - وله أخذ «النّجوى»(٣) من المؤمنين بالقاهرة ومصر وأعمالهما
(a) بولاق: ووصفه. (١) مجالس الحكمة أو الحكم. هي المجالس التي كان يعدها ويلقيها مرتين في الأسبوع داعي الدعاة باسم الخليفة على المؤمنين سواء في المحوّل (وهو مجلس الدّاعي بالقصر) أو على كرسي الدّعوة بالإيوان الكبير أو في الجامع الأزهر. وقد جاء في سجل أورده علي بن خلف في «مواد البيان» بالدعوة للدولة والمشايعة لها والموافقة على مذهبها، أمر الخليفة إلى الداعي يقول: «واتل مجالس الحكم التي تخرج إليك في الحضرة على المؤمنين والمؤمنات والمستجيبين والمستجيبات في قصور الخلافة الزاهرة والمسجد الجامع بالمعزية القاهرة» … «واقبض ما يحمله المؤمنون لك من الزكاة والنجوى والأخماس والقربات وما يجري هذا المجرى». (مواد البيان ٥٨٧، ٥٨٨، القلقشندي: صبح ٤٣٧: ١٠، ٤٣٨). وكانت هذه المجالس من مفردات الدولة الفاطمية وأبطلها السلطان صلاح الدين في سنة ٥٦٦ ضمن خطّة الإصلاح السني التي بدأها في هذه السنة. (المقريزي: اتعاظ ٣٢٠: ٣). ومن أشهر هذه المجالس «المجالس المؤيدية» وهي ثمان مائة مجلس ألقاها المؤيد في الدين هبة اللّه الشّيرازي داعي الدّعاة في فترة توليه الدعوة بين سنتي ٤٥٠ و ٤٧٠ هـ، نشرت المائة مجلس الأولى منها في لاهور بباكستان سنة ١٩٧٨ ثم نشر مصطفى غالب ثلاث مائة مجلس منها في بيروت، دار الأندلس ١٩٨٢ - ١٩٨٤، وكذلك «المجالس المستنصرية» للداعي الموسوم بعلم الإسلام ثقة الإمام عبد الحكيم بن وهب المليجي والمنسوبة خطأ إلى بدر الجمالي، وقد نشرها محمد كامل حسين في القاهرة - دار الفكر العربي ١٩٤٦. وراجع نماذج لهذه المجالس عند محمد كامل حسين: في أدب مصر الفاطمية ٥٤ - ٦٢. أما كتاب «المجالس والمسايرات» للقاضي النعمان بن حيّون (تونس ١٩٧٨) فهو أشبه بتقرير عن المجالس التي كان يحضرها الخليفة المعز. (راجع Madelung، W.، El ٢.، art.Madjlis V، p. ١٠٢٩؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٥٧٤ - ٥٨٣). (٢) عن العلامة. انظر فيما يلي ٣٣٨. (٣) النّجوى. اتخذها الإسماعيليون من قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ [الآية ١٢ سورة المجادلة] (أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٣٤٠ - ٣٤٢). وهنا حاشية بخط المؤلّف نصّها: والأصل في النجوى ما خرّج الحاكم من حديث جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال عليّ بن أبي طالب -