للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا انتظم ذلك النّظام، واستقرّ بهم المقام، فأوّل ماثل للخدمة بالسّلام: قاضي القضاة، والشّهود المعروفون بالاستخدام، فيجيز صاحب الباب القاضي دون من معه، فيسلّم متأدّبا، ويقف قريبا. ومعنى الأدب في السّلام أنّه يرفع يده اليمنى، ويشير بالمسبحة ويقول بصوت مسموع: «السّلام على أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته». فيتخصّص بهذا الكلام دون غيره من أهل السّلام.

ثم يسلّم بالأشراف الأقارب زمامهم، وهو من الأستاذين المحنّكين، وبالأشراف الطّالبيين نقيبهم، وهو من الشّهود المعدّلين، وتارة يكون من الأشراف المميّزين. فيمضي عليهم كذلك ساعتان زمانيتان أو ثلاث.

ويخصّ بالسّلام في ذلك الوقت من خلع عليه لقوص أو الشّرقيّة أو الغربيّة أو الإسكندرية، فيشرّفون بتقبيل العتبة (a).

فإن دعت حاجة الوزير إلى مخاطبة الخليفة في أمر، قام من مكانه وقرب منه منحنيا على سيفه، فيخاطبه مرّة أو مرّتين.

ثم يؤمر الحاضرون فيخرجون، حتى يكون آخر من يخرج الوزير بعد تقبيل يد الخليفة ورجله، ويخرج فيركب على عادته إلى داره وهو مخدوم بأولئك.

ثم يرخى السّتران (b) ويغلق باب المجلس إلى يوم مثله، فيكون الحال كما ذكر، ويدخل الخليفة إلى مكانه المستقرّ فيه ومعه خواصّ أستاذيه.

وكان أقرب النّاس إلى الخلفاء «الأستاذون المحنّكون»، وهم أصحاب الأنس لهم، ولهم من الخدم ما لا يتطرّق إليه سواهم، ومنهم: زمام القصر، وشادّ التّاج الشّريف، وصاحب بيت المال، وصاحب الدّفتر، وصاحب الرّسالة، وزمام الأشراف الأقارب، وصاحب المجلس، وهم المطّلعون على أسرار الخليفة. وكانت لهم طريقة محمودة في بعضهم بعضا، منها أنّه متى ترشّح أستاذ للحنك (c) وحنّك، حمل إليه كلّ/ واحد من المحنّكين بدلة من ثياب، ومنديلا وسيفا وفرسا (d)، فيصبح لاحقا بهم وفي يديه مثل ما في أيديهم.

وكان لا يركب أحد في القصر إلاّ الخليفة، ولا يتصرّف ليلا ونهارا إلاّ كذلك، وله في الليل شدّادات من النّساء يخدمن البغلات والحمير الإناث، للجواز في السّراديب


(a) بولاق: القبة.
(b) بولاق: الستر.
(c) بولاق: للتحنيك.
(d) بولاق: فرشا.