للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ثالث جمادى الأولى سنة ستّ وستين، فنزل على الرّملة والقرمطيّ في أثره فهلك، وقام من بعده جعفر القرمطي فحارب جوهرا، واشتدّ الأمر على جوهر وسار إلى عسقلان، وحصره أفتكين بها حتى بلغ من الجهد مبلغا عظيما، فصالح أفتكين وخرج من عسقلان إلى مصر، بعد أن أقام بها وبظاهر الرّملة نحوا من سبعة عشر شهرا، فقدم على العزيز وهو يريد الخروج إلى الشّام.

فلمّا ظفر العزيز بأفتكين واصطنعه في سنة ثمانين وثلاث مائة، واصطنع منجوتكين التركي أيضا، أخرجه راكبا من القصر وحده في سنة إحدى وثمانين، والقائد جوهر وابن عمّار ومن دونهما من أهل الدولة مشاة في ركابه، وكانت يد جوهر في يد ابن عمّار، فزفر ابن عمّار زفرة كاد أن ينشقّ لها وقال: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه. فنزع جوهر يده منه، وقال: قد كنت عندي يا أبا محمد أثبت من هذا، فظهر منك إنكار في هذا المقام. لأحدثنّك حديثا عسى أن يسلّيك عمّا أنت فيه، واللّه ما وقف على هذا الحديث أحد غيري:

لمّا خرجت إلى مصر، وأنفذت إلى مولانا المعزّ من أسرته، ثم حصل في يدي آخرون اعتقلتهم، وهم نيف على ثلاث مائة أسير من مذكوريهم والمعروفين فيهم، فلمّا ورد مولانا المعزّ إلى مصر أعلمته بهم، فقال: أعرضهم عليّ، واذكر في كلّ واحد حاله؛ ففعلت - وكان في يده كتاب مجلّد يقرأ فيه - فجعلت آخذ الرجل من يد الصّقالبة وأقدّمه إليه وأقول:

هذا فلان ومن حاله وحاله، فيرفع رأسه وينظر إليه ويقول: يجوز. ويعود إلى قراءة ما في الكتاب، حتى أحضرت له الجماعة، وكان آخرهم غلاما تركيّا، فنظر إليه وتأمّله، ولمّا ولّى أتبعه بصره.

فلمّا لم يبق أحد قبّلت الأرض وقلت: «يا مولانا، رأيتك فعلت لمّا رأيت هذا التركي ما لم تفعله مع من تقدّمه»؛ فقال: يا جوهر، يكون عندك مكتوما حتى ترى أنّه يكون لبعض ولدنا غلام من هذا الجنس تتّفق له فتوحات عظيمة في بلاد كثيرة، ويرزقه اللّه على يده ما لم يرزقه أحد منّا مع غيره». وأنا أظنّ أنّه ذاك الذي قال لي مولانا المعزّ، ولا علينا إذا فتح اللّه لموالينا على أيدينا أو على يد من كان.

«يا أبا محمد لكلّ زمان دولة ورجال، أنريد نحن أن نأخذ دولتنا ودولة غيرنا؟ لقد أرجل لي مولانا المعزّ، لمّا سرت إلى مصر، أولاده وإخوته ووليّ عهده وسائر أهل دولته، فتعجب النّاس من ذلك، وها أنا اليوم أمشي راجلا