ولم يزل معظّما مطاعا، وله حكم على ما فتح من بلاد الشّام حتى ورد المعزّ من المغرب إلى القاهرة.
وكان جعفر بن فلاح يرى نفسه أجلّ من جوهر، فلمّا قدم معه إلى مصر سيّره جوهر إلى بلاد الشّام في العساكر، فأخذ الرّملة وغلب الحسن بن عبد اللّه بن طغج، وسار فملك طبريّة ودمشق (١). فلمّا صارت الشّام له، شمخت نفسه عن مكاتبة جوهر، فأنفذ كتبه من دمشق إلى المعزّ وهو بالمغرب سرّا من جوهر، يذكر فيها طاعته ويقع في جوهر، ويصف ما فتح اللّه للمعزّ على يده؛ فغضب المعزّ لذلك، وردّ كتبه كما هي مختومة، وكتب إليه:
«قد أخطأت الرّأي لنفسك، نحن قد أنفذناك مع قائدنا جوهر فاكتب إليه، فما وصل منك إلينا على يده قرأناه، ولا تتجاوزه بعد، فلسنا نفعل لك ذلك على الوجه الذي أردته وإن كنت أهله عندنا، ولكنّا لا نستفسد جوهرا مع طاعته لنا».
فزاد غضب جعفر بن فلاح، وانكشف ذلك لجوهر، فلم يبعث ابن فلاح لجوهر يسأله نجدة خوفا ألاّ ينجده بعسكر، وأقام مكانه لا يكاتب جوهرا بشيء من أمره، إلى أن قدم عليه الحسن ابن أحمد القرمطي، وكان من أمره ما قد ذكر في موضعه (٢).
ولمّا مات المعزّ واستخلف من بعده ابنه العزيز، وورد إلى دمشق أفتكين (a) الشّرابي من بغداد، ندب العزيز باللّه جوهرا القائد إلى الشّام، فخرج إليها بخزائن السّلاح والأموال والعساكر العظيمة، فنزل على دمشق لثمان بقين من ذي القعدة سنة خمس وستين وثلاث مائة، فأقام عليها وهو يحارب أهلها، إلى أن قدم الحسن بن أحمد القرمطيّ من الأحساء/ إلى الشّام، فرحل جوهر
(a) في آياصوفيا وبولاق: هفتكين، وقد فضّلت إثبات الاسم المتعارف عليه في سائر المصادر وهو أفتكين. (١) عن جعفر بن فلاح الكتامي وفتح الشّام راجع، ابن الأثير: الكامل ٥٩١: ٨ - ٥٩٢؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٣٦١: ١؛ النويري: نهاية الأرب ١٣٥: ٢٨ - ١٣٩؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٢٠: ١، ١٢٢ - ١٢٩، المقفى ٥٠: ٣ - ٥٨؛ درويش النخيلي: فتح الفاطميين للشّام في مرحلته الأولى، الإسكندرية ١٩٧٩؛ Lev، Y.، «Fatimid Policy towards Damascus (٣٥٨/ ١٩٦٨ - ٣٨٦/ ٩٩٦) Military/ Political and Social Asrects»، dans Jerusalem Studies in Arabic and Islam III (١٩٨١ - ٨٢)، pp. ١٦٥ - ٨٣; Bianqus The.، Damas et la Syrie sous la domination Fatimide، Damas ١٩٨٦ I، pp. ٤٤ - ٦٤. (٢) انظر فيما يلي ٩: ٢ - ١٠.