فكثر القول من صلاح الدّين وأصحابه في ذمّ العاضد، وتحدّثوا بخلعه وإقامة الدّعوة العبّاسية بالقاهرة ومصر، ثم قبض على سائر من بقي من أمراء الدّولة وأنزل أصحابه في دورهم في ليلة واحدة، فأصبح في البلد من العويل والبكاء ما يذهل، وتحكّم أصحابه في البلد بأيديهم، وأخرج سائر إقطاعات المصريين لأصحابه، وقبض على بلاد العاضد ومنع عنه سائر موادّه، وقبض على القصور وسلّمها إلى الطّواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي، وجعله زمامها (١). فضيّق على أهل القصر، وصار العاضد معتقلا تحت يده (٢).
وأبطل من الأذان «حيّ على خير العمل»، وأزال شعار الدولة، وصرّح (a) بالعزم على قطع خطبة العاضد، فمرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيام، منها في الخلافة إحدى عشرة سنة وستة أشهر وسبعة أيام (b)، وذلك في ليلة يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمس مائة، بعد قطع اسمه من الخطبة والدّعاء للمستنجد العبّاسي بثلاثة أيام (٣). وكان كريما ليّن الجانب، مرّت به مخاوف وشدائد، وهو آخر الخلفاء الفاطميين بمصر. فكانت (c) مدّتهم بالمغرب ومصر، منذ قام عبيد اللّه المهدي إلى أن مات العاضد، مائتي سنة واثنتين وسبعين سنة وأياما، منها بالقاهرة (d) مائتان وثماني سنين، فسبحان الباقي.
(a) بولاق: وخرج. (b) في اتعاظ الحنفا: إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يوما. (c) بولاق: وكانت. (d) بولاق: بالقاهرة منها. (١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣٢٢: ٣. (٢) هذه التحوّلات في السنوات الأخيرة لحكم الدولة الفاطمية في مصر يطلق عليها «انقلاب صلاح الدين»، وهو الانقلاب الذي وضع نهاية للحكم الفاطمي الإسماعيلي في مصر وأعاد مصر مرة أخرى إلى مجموع الدول السنية التي تخطب للخليفة العباسي في بغداد (راجع، Ehrenkrutz A.S.، «Saladin's coup d'e? tat in Egypt»، in Sami A. Hanna (ed)، Medieval and Middle Eastern Studies in Honour of Aziz Suryal Atiya، Leiden ١٩٧٢.، pp. ١٤٤ - ٥٧؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٣٠٠ - ٣٠٩؛ Lev، Y.، Saladin in Egypt، Leiden ١٩٩٩. (٣) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣٢٨: ٣.