العاضد وقام بأمور (a) الدّولة شهرين وخمسة أيام، ومات في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة.
ففوّض العاضد الوزارة لصلاح الدّين يوسف بن أيّوب، فساس الأمور ودبّر لنفسه، فبذل الأموال وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال. فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان، وصار يخطب من بعد العاضد للسّلطان نور الدين محمود (b)، وأقطع أصحابه البلاد، وأبعد أهل مصر وأضعفهم، واستبدّ بالأمور ومنع العاضد من التصرّف، حتى تبيّن للنّاس ما يريده من إزالة الدولة، إلى أن كان من واقعة العبيد ما ذكر، فأبادهم وأفناهم (١). ومن حينئذ تلاشى العاضد وانحلّ أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة فقط؛ هذا وصلاح الدّين يوالي الطّلب منه في كلّ يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرّقيق وغير ذلك، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر ألبتّة. وتتبّع صلاح الدّين جند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله فقدموا من الشّام عليه.
فلمّا كان في سنة ستّ وستين أبطل المكوس من ديار مصر، وهدم دار المعونة بمصر وعمّرها/ مدرسة للشّافعيّة، وأنشأ مدرسة أخرى للمالكيّة (٢)، وعزل قضاة مصر الشّيعة وقلّد القضاء صدر الدّين عبد الملك بن درباس الشّافعيّ وجعل إليه الحكم في إقليم مصر كلّه؛ فعزل سائر القضاة واستناب قضاة شافعيّة، فتظاهر النّاس من تلك السّنة بمذهب مالك والشّافعيّ ﵄ واختفى مذهب الشّيعة إلى أن نسي من مصر (٣).
وأخذ في غزو الإفرنج (c)، فخرج إلى الرّملة وعاد في ربيع الأوّل، ثم سار إلى أيلة، ونازل قلعتها حتى أخذها من الفرنج في ربيع الآخر، ثم سار إلى الإسكندرية ولمّ شعث سورها وعاد، وسيّر توران شاه فأوقع بأهل الصّعيد، وأخذ منهم ما لا يمكن وصفه كثرة وعاد.
(a) ساقطة من بولاق، وفيه وقام بالدولة. (b) بولاق. محمد نور الدين. (c) بولاق: الفرنج. (١) فيما يلي ٢: ٢ - ٣. (٢) فيما يلي ٣٦٣: ٢. (٣) سيعيد المقريزي تفصيل ذلك فيما يلي ٣٥٦: ٢ - ٣٥٨.