وأكثر أبو العبّاس من قوله حتى أغرى المقدّمين بالمهدي، وقال: ما هذا بالذي كنّا نعتقد طاعته وندعو إليه؛ لأنّ المهدي يأتي بالآيات الباهرة. فمال إليه جماعة، وواجه بعضهم المهدي بذلك، وقال له: إن كنت المهدي فأظهر لنا آية، فقد شككنا فيك. فبعد ما بين المهدي وبين أبي عبد اللّه، وأوجس كلّ منهما في نفسه خيفة من الآخر، وأخذ أبو العبّاس يدبّر في قتل المهدي، والمهدي يحلّ ما كان يبرمه، ثم (a) إنّ المهدي لمّا ثقل عليه أمر أبي عبد اللّه وأخيه أبي العبّاس (a) رتّب رجالا لقتلهم (b).
فلمّا ركب أبو عبد اللّه وأخوه إلى قصر المهدي ثار بهما الرّجال، فقال أبو عبد اللّه: لا تفعلوا. فقالوا له: إنّ الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك. فقتل هو وأخوه للنصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين بمدينة رقّادة. فثارت فتنة بسبب قتلهما، فركب المهديّ حتى سكنت، وتتّبع جماعة منهم فقتلهم (١).
فلمّا استقام له الأمر، عهد إلى ابنه أبي القاسم، وتتبّع بني الأغلب فقتل منهم جماعة.
وجهّز في سنة إحدى وثلاث مائة ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر، فأخذ برقة والإسكندرية والفيّوم، وكانت له مع عساكر مصر وعساكر العراق الواردة إلى مصر مع مؤنس الخادم عدّة حروب، وعاد إلى المغرب (c) (٢).
فجهّز المهدي في سنة اثنتين وثلاث مائة حباسة بجيوش إلى مصر، فغلب على الإسكندرية، وكان من أمره ما تقدّم ذكره (٣).
وكان للمهدي ببلاد المغرب عدّة حروب.
وكان يوجد في الكتب خروج أبي يزيد النّكّاري على دولته. فبنى «المهديّة»، وأدار عليها سورا جعل فيه أبوابا زنة كلّ مصراع منها مائة قنطار من حديد، وكان ابتداء بنائها في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاث مائة، وبنى المصلّى بظاهرها وقال: إلى هنا يصل صاحب الحمار - يعني أبا يزيد - فكان كذلك. وأنشأ صناعة فيها تسع مائة شيني (d)، وقال: «إنّما
(a) (a-a) ساقطة من بولاق. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: الغرب. (d) بولاق: شونة. (١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٦٧: ١ - ٦٨. (٢) عن محاولات الفاطميين المتكرّرة لفتح مصر راجع، Lev، Y.، «The Fadimid and Egypt ٣٠١ - ٣٥٨/ ٩١٤ - ٩٦٩» Arabica XXXV (١٩٨٨)، pp. ١٨٦ - ١٩٦; Halm، H.، The Empire of the Mahdi، pp. ١٩٦ - ٢١٣. (٣) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٦٨: ١ - ٦٩ وفيما تقدم ١١٦.