للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللّه»، ووسم الخيل على أفخاذها «الملك للّه»، وأقام على ما كان عليه من لبس الخشن الدون وتناول القليل الغليظ من الطّعام (١).

فلمّا دخل شهر رمضان سار من رقّادة في جيوش عظيمة اهتزّ لها المغرب بأسره، يريد سجلماسة، فحاربه اليسع يوما كاملا إلى الليل، ثم فرّ في خاصّته. فدخل أبو عبد اللّه من الغد إلى البلد، وأخرج عبيد اللّه وابنه، ومشى في ركابهما بجميع رؤساء القبائل وهو يقول للنّاس:

«هذا مولاكم»، وهو يبكي من شدّة الفرح، حتى وصل بهما إلى فسطاط ضربه في العسكر فأنزلهما فيه، وبعث الخيل في طلب اليسع، فأدركته وجاءت به فقتله (٢).

وأقام عبيد اللّه بسجلماسة أربعين يوما، ثم سار إلى إفريقيّة في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين، ونزل برقّادة، وأمر يوم الجمعة أن يذكر في الخطبة، وتلقّب ب «المهدي أمير المؤمنين» (٣). فدعي له في جميع البلاد بذلك، وجلس بعد الصّلاة الدّعاة، ودعوا النّاس كافة إلى مذهبهم، فمن أجاب قبل منه، ومن أبى قتل. وعرض جواري زيادة اللّه، واختار منهن لنفسه ولولده، وفرّق ما بقي على وجوه كتامة، وقسم عليهم أعمال إفريقية، ودوّن الدّواوين، وجبى الأموال، ودانت له البلاد (٤).

فشقّ ذلك على أبي عبد اللّه، ونافس المهدي، وحسده من أجل أنّه كفّ يده ويد أخيه أبي العبّاس، فعظم عليه الفطام عن الأمر والنّهي والأخذ والعطاء. وأقبل أبو العبّاس يزري على المهدي في مجلس أخيه، ويؤنّب أخاه على ما فعل حتى أثّر في نفسه، فسأل المهدي أن يجلس في القصر ويفوّض إليه الأمور (a). وكان قد بلغ المهدي ما يجهر به أبو العبّاس/ من السّوء في حقّه، فردّ أبا عبد اللّه ردّا لطيفا، وأسرّها في نفسه.


(a) بولاق: أن يفوض إليه الأمور ويجلس في القصر.
(١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٦٠: ١ - ٦٤.
(٢) فيما يلي ١١: ٢.
(٣) المهدي عبيد اللّه (عبد اللّه) أول الأئمة الفاطميين الظاهرين ومؤسّس الدولة الفاطمية في شمال إفريقيا، راجع أخباره عند، القاضي النعمان: رسالة افتتاح الدعوة ٢٣١ - ٢٧٦؛ ابن ظافر الأزدي: أخبار الدول المنقطعة ٦ - ١٣؛ النويري: نهاية الأرب ١٠٠: ٢٨ - ١١٥؛ المقريزي: المقفى الكبير ٥٢٣: ٤ - ٥٧٠، اتعاظ الحنفا ٦٠: ١ - ٧٣؛ حسن إبراهيم حسن وطه أحمد شرف: عبيد اللّه المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب، القاهرة ١٩٤٨؛ Dachraoui، F.، Le califat fatimide au Maghreb، Tunis ١٩٨١; id.، El ٢ art.al-Mahdi Ubayd All?h V، pp. ١٢٣٣ - ٣٤.
(٤) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٦٥: ١ - ٦٦.