للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا خربت مصر بحريق شاور بن مجير إياها، صار هذا الكوم من حينئذ وعرف بكوم المشانيق، فإنّه كان يشنق بأعلاه أرباب الجرائم (١)، ثم بنى النّاس فوقه دورا فعرف إلى يومنا هذا بكوم الكبارة. وكان يقال لما بين سوق المعاريج وهذا الكوم لمّا كان ساحل النّيل «القالوص».

قال القضاعيّ: رأيت بخطّ جماعة من العلماء «القالوص» بألف، والذي يكتب في هذا الزّمان «القلوص» بحذف الألف. فأمّا القلوص بحذف الألف فهي من الإبل والنّعام الشّابّة، وجمعها قلص وقلاص وقلائص. والقلوص من الحبارى الأنثى الصغيرة (٢).

فلعلّ هذا المكان سمّي بالقلوص لأنّه في مقابلة الجمل الذي كان على باب الرّيحان، الذي يأتي ذكره في عجائب مصر (٣). وأمّا «القالوص» بالألف فهي كلمة رومية، ومعناها بالعربية «مرحبا بك»، ولعلّ الرّوم كانوا يصفّقون لراكب هذا الجمل، ويقولون هذه الكلمة على عادتهم (٤).

وقال ابن المتوّج: والسّاحل القديم أوّله من باب مصر المذكور - يعني المجاور للكبارة - وإلى المعاريج جميعه كان بحرا يجري فيه ماء النّيل، وقيل: إنّ سوق المعاريج كان موردة سوق السّمك (٥)، يعني ما ذكره القضاعيّ من أنّه كان يعرف بساحل البوري ثم عرف بالمعاريج الجديد.

قال ابن المتوّج: ونقل أنّ بستان الجرف المقابل لبستان حوض ابن كيسان (a) كان مكانه بحر النّيل وأنّ الجرف ربا فيه ونقل أنّ بستان ابن كيسان (a) كان صناعة العمارة. وأدركت أنا فيه بابها، ورأيت زريبة من ركن المسجد المجاور للحوض من غربيه تتّصل إلى قبالة مسجد العادل الذي بمراغة الدّواب الآن.

قال كاتبه (b): بستان الجرف يعرف بذلك إلى اليوم، وهو على يمنة من سلك إلى مصر من طريق المراغة، وهو جار في وقف الخانقاه، التي تعرف بالواصلة، بين الزّقاقين. وحوض ابن كيسان يعرف اليوم بحوض الطّواشي تجاه غيط الجرف المذكور، يجاوره بستان ابن كيسان الذي صار صناعة - وقد ذكر خبر هذه الصّناعة عند ذكر مناظر الخلفاء (٦) - ويعرف بستان ابن كيسان


(a) (a-a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: مؤلفه .
(١) ابن دقماق: الانتصار ٥٣: ٤.
(٢) انظر الفيروز أبادي: القاموس المحيط ٨١١.
(٣) تقدم هذا الخبر عند ذكر عجائب مصر ٨٥: ١.
(٤) ابن دقماق: الانتصار ٣٥: ٤.
(٥) نفسه ٧٧: ٤.
(٦) فيما يلي ٥٧٠.