للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنازل على القبائل، ونسبت المدينة إليه، فقيل «فسطاط عمرو»، وتداولت عليها بعد ذلك ولاة مصر فاتّخذوها سريرا للسّلطنة، وتضاعفت عمارتها، فأقبل النّاس من كلّ جانب إليها، وقصروا أمانيهم عليها، إلى أن رسخت بها دولة بني طولون، فبنوا إلى جانبها المنازل المعروفة ب «القطائع»، وبها كان مسجد ابن طولون الذي هو الآن إلى جانب القاهرة.

وهي مدينة مستطيلة يمرّ النّيل مع طولها، ويحطّ في ساحلها المراكب الآتية من شمال النّيل وجنوبه بأنواع الفوائد، ولها متنزّهات، وهي في الإقليم الثالث، ولا ينزل فيها مطر إلاّ في النادر، وترابها تثيره الأرجل وهو قبيح اللّون تتكدّر منه أرجاؤها ويسوء بسببه هواؤها، ولها أسواق ضخمة إلاّ أنّها ضيّقة، ومبانيها بالقصب والطوب طبقة على طبقة. ومذ بنيت القاهرة ضعفت مدينة الفسطاط، وفرّط في الاغتباط بها بعد الإفراط، وبينهما نحو ميلين. (a) وأنشدت فيها للشّريف (a) العقيلي (١):

[الطويل]

أحنّ إلى الفسطاط شوقا وإنّني … لأدعو لها أن لا يحلّ بها القطر

/ وهل في الحيا من حاجة لجنابها … وفي كلّ قطر من جوانبها نهر

تبدّت عروسا والمقطّم تاجها … ومن نيلها عقد كما انتظم الدّرّ (٢)

وقال عن كتاب أجار (b): فالفسطاط هي قصبة مصر، والجبل المقطّم شرقها وهو متّصل بجبل الزّمرّد (٣).

وقال عن كتاب ابن حوقل: والفسطاط مدينة حسنة ينقسم النّيل لديها، وهي كبيرة نحو ثلث بغداد، ومقدارها نحو فرسخ، على غاية العمارة [والخصب] (c) والطيبة واللّذّة، ذات رحاب


(a) (a-a) بولاق: وأنشد فيها الشريف.
(b) بولاق: كتاب آخر.
(c) زيادة من ابن حوقل.
(١) أبو الحسن عليّ بن الحسين بن حيدرة من ولد عقيل بن أبي طالب: شاعر مصري من شعراء المائة الخامسة (ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) ٢٠٥ - ٢٤٩؛ العماد الكاتب: خريدة القصر (قسم مصر) ٦٢: ٢).
(٢) ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب ١ - ٢.
(٣) عند ابن سعيد: المغرب ٢ أن ذلك نقلا عن كتاب أجار (أي روجر) والمقصود كتاب «نزهة المشتاق» الذي ألّفه الإدريسي للملك النورماندي روجر الثاني Roger II، والنص غير موجود في «النزهة»، انظر كذلك ما سبق أن نقله المقريزي عن كتاب الإدريسي ولا يوجد في النسخة المنشورة منه (فيما تقدم ١٣٩: ١).