للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربّما انقطع النّيل في آخر الرّبيع وأوّل الصّيف من جهة الفسطاط، فيعفن بكثرة ما يلقى فيه، إلى أن يبلغ عفنه إلى أن تصير له رائحة منكرة محسوسة. وظاهر أنّ هذا الماء إذا صار على هذه الحال غيّر مزاج النّاس تغيّرا محسوسا (١).

قال: فمن البينّ أن أهل هذه المدينة الكبرى بأرض مصر أسرع وقوعا في الأمراض من جميع أهل هذه الأرض، ما خلا أهل الفيّوم فإنّها أيضا قرية (a).

وأردأ ما في المدينة [الكبرى] (b) الموضع الغائر من الفسطاط. ولذلك غلب على أهلها الجبن وقلّة الكرم، وأنّه ليس أحد منهم يغيث ولا يضيّف الغريب إلاّ في النادر، وصاروا من السّعاية والاغتياب على أمر عظيم. ولقد بلغ بهم الجبن إلى أنّ خمسة أعوان تسوق منهم مائة رجل وأكثر، ويسوق الأعوان المذكورين رجل واحد من أهل البلدان الأخر وممّن قد تدرّب في الحرب.

فقد استبان إذن العلّة والسّبب في أن صار أهل المدينة الكبرى بأرض مصر أسرع وقوعا في الأمراض من جميع أهل هذه الأرض، وأضعف أنفسا. ولعلّ لهذا السّبب اختار القدماء اتّخاذ المدينة في غير هذا الموضع: فمنهم من جعلها بمنف وهي مصر القديمة، ومنهم من جعلها بالإسكندرية، ومنهم من جعلها بغير هذه المواضع، ويدلّ على ذلك آثارهم (٢).

وقال ابن سعيد عن كتاب «الكمائم» (٣): وأمّا فسطاط مصر فإنّ مبانيها كانت في القديم متّصلة بمباني مدينة عين شمس، وجاء الإسلام وبها بناء يعرف بالقصر حوله مساكن، وعليه نزل عمرو بن العاص، وضرب فسطاطه، حيث المسجد الجامع المنسوب إليه. ثم لمّا فتحها قسم


(a) ابن رضوان: وبيئة، بولاق: قريبة.
(b) زيادة من ابن رضوان.
(١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ١٦٥.
(٢) نفسه ١٦٦ - ١٦٧.
هذا الرأي الذي أورده ابن رضوان ينتقد موضع المدينة من الناحية الصحية فقط، وفي حقيقة الأمر إن موقع الفسطاط الذي تطورت ونمت فيه جهة الشمال عواصم مصر الإسلامية التالية: العسكر والقطائع ثم القاهرة، موقع فريد حتّمته طبيعة الأرض المصرية، هو نقطة التقاء رأس الدلتا بجنوب الوادي (المحور الشمالي الجنوبي للبلاد).
(٣) كتاب الكمائم للبيهقي مصدر مهمّ من مصادر ابن سعيد المغربي يقول: «وقد جمعت ملتقطات من كتاب البيهقى وكتاب القرطي وغيرهما من الكتب وأضفتها إلى ما عاينته وعلمته من أمر مدينة القاهرة لأني سكنت فيها كثيرا داخلا وخارجا» (النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة ٢٢). ولم يحدّد ابن سعيد عنوان الكتاب أو اسم مؤلّفه بأكثر من ذلك.